للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعتزلة تدّعي أنّها الفرقة النّاجية: دعوى ممزوجة بعجب كثير, واستحقار لكلّ من خالفهم من صغير وكبير! وهم مع ذلك مختلفون غاية الاختلاف, مفترقون عشر فرق في مسائل عقلية قطعية, لا يمكن عندهم فيها تصويب الجميع ولا رفع الإثم عن المخطىء, ولا القطع بانتفاء الفسق بإجماعهم!! ومنهم من يجيز في ذلك الاختلاف الواقع بينهم أن يكون فسقاً فلا خلاف بينهم فيه (١) , ومنهم من يصرّح بتكفير مخالفه, وبين أصحاب أبي الحسين, وأصحاب أبي هاشم في ذلك ما ليس بين فرق أهل الضلال أكثر منه, من قدح كلّ في علم الآخر, والقطع ببطلان ما هو عليه, وهذا الاضطراب العظيم, والخلاف الشّديد بين المعجبين بدعوى الاختصاص بعلم الحق, والاعتصام بالميزان العدل الذي يرفع الخلاف, ويظهر معه ما خفي من الحقّ, وكلّ هذا حصل بسبب (٢) ممارسة العلوم التي عبتم على المحدّثين الغفلة عنها, فلا عدمكم المسلمون, زيدوا في هذه الممارسة فما يحصل منها غداً إلا (٣) ما حصل منها أمس: تباغض وافتراق, وجدال وشقاق, وتكفير وتفسيق, وهوى من الضّلال إلى مكان سحيق.

فإنْ كان المحدّثون ما استحقوا منك السّخرية والإستهانة إلا


(١) ليست في (س).
(٢) في نسخة: ((ببركة)) كذا في هامش (أ) و (ي).
(٣) في (س): ((الآن)) وهو خطأ.