الفصل الثّاني في العدل (١) -ما لفظه-: ((يبيّن ما ذكرناه ويوضّحه أنّ أحدنا لو خيّر بين الصّدق والكذب, وكان النّفع بأحدهما كالنّفع بالآخر, وهو عالم بقبح الكذب, مستغن عنه, عالم باستغنائه عنه فإنّه قطّ لا يختار الكذب على الصّدق)). إلى قوله ما لفظه:((فإن قالوا هذا بناءً على أنّ الواحد منّا مخيّر في تصرّفاته, ونحن لا نسلّم ذلك, فإنّ من مذهبنا أنّه مجبر عليه في هذه الأفعال, وأنّها مخلوقة)). ثم أجاب بأربعة وجوه: قال في الثّالث منها ما لفظه: ((وبعد فلا خلاف بيننا وبينكم في أنّ هذه التّصرفات محتاجة إلينا ومتعلّقة بنا وأنّا مختارون فيها, إنّما الخلاف في جهة التّعلّق: أكسب أم حدوث؟)).
فهذا نصّ صريح لا يحتمل التّأويل في (مدرس الزّيديّة) يدلّ على أنّ القوم يقولون: بأنّا مختارون في أفعالنا, وقد تأوله بعض من لا يدري بمذهبهم بأنّه أراد بالاختيار هنا: الإرادة فقط مع وقوع الإرادة من غير اختيار, وهذا جهل بقصد المصنّف وبمذهب القوم, أمّا المصنّف؛ فإنّه قصد نقض جوابهم علينا في التّحسين والتّقبيح بالجبر وبخلق الأفعال, وبيّن أنّ الحجّة لازمة على مقتضى مذهبهم, لأنّهم لا ينكرون تعلّق الأفعال بنا ووقوعها باختيارنا, ألا ترى أنّه قال: فإن قالوا هذا بناءً على أنّ الواحد منّا مخيّر في تصرّفاته ونحن نسلّم ذلك إلى آخر كلامه, ثم نقض هذا عليهم وبيّن أنّه ليس بمذهبهم, فكيف يمكن تأويل هذا على أنّه ما روى عنهم القول بالاختيار, وهل هذا إلا محض الجهل أو التّجاهل؟ ولو سلّمنا أنّ مقصد هذا المصنّف: