للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذكر جملة صالحة مما رود في هذا المعنى مطابقة لمقتضى الحال, فإنّ مقتضاه المبالغة في كشف عطاء البيان, لإنكار المعترض إمكان التّأويل في بعض الأحاديث التي لم تبلغ في التّجوّز مرتبة كثير مما نورده من كلام البلغاء, وإنّما وقع التّفاوت في ظهور القرينة الدّالة على التّجوّز في نفس الأمر.

فمن ذلك ما ذكره الزّمخشري -رحمه الله- في ((كشّافه)) (١) في تفسير قوله تعالى: ((أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم)) [البقرة/١٦] فإنّه تكلّم في هذا لما يشهد بما ذكرته فقال ما لفظه: ((فإن قلت هب أنّ شراء الضّلالة بالهدى وقع مجازاً في معنى الاستبدال؛ فما معنى ذكر الربح والتّجارة كأنّ ثمّة مبايعة على الحقيقة؟

قلت: هذا من الصّنعة البديعة التي تبلغ بالمجاز الذّروة العليا, وهي: أن تساق كلمة مساق المجاز ثمّ تقفّى بأشكال لها وأخوات إذا تلاحقن لم تر كلاماً أحسن ديباجة وأكثر ماء ورونقاً منه, وهو المجاز المرشّح, وذلك نحو قول العرب في البليد: كأن أذني قلبه خطلاوان (٢) , جعلوه كالحمار ثمّ رشّحوا ذلك روماً لتحقيق البلادة؛ فادّعوا لقلبه أذنين وادّعوا لهما الخطل, ليمثلوا البلادة تمثيلاً يلحقها ببلادة الحمار مشاهدة معاينة, ونحوه:


(١) (١/ ٣٧).
(٢) في (س): ((كأنّ باذني قلبه خطلاوان فإنّهم .... ))!.