للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكذّاب, وقيل: الذي لا يستحي من الله)). انتهى كلامه.

وفيه شهادة للمعنى الذي ذكرته, أقصى ما في الباب: أنّ هذا الاحتمال غير ظاهر, لكنّه محتمل غير مرجوح, وذلك يمنع من الاحتجاج بها في المتأوّلين.

الوجه الثّاني: أنّ الله تعالى قال: ((إن جاءكم فاسق بنبأ فنبيّنوا)) [الحجرات/٦] ولم يقل: فلا تقبلوه, والتّبيّن هو تطلّب/ البيان, وليس القطع على أنّه كاذب يسمّى تبيّناً في اللغة ولا في العرف ولا في الشّرع, وقد جاء الأمر بالتّبيّن في القرآن الكريم, وليس المراد به الرّدّ والتّكذيب, وذلك في قوله تعالى في سورة النّساء: ((يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا)) [النساء/٩٤] فروى البخاريّ ومسلم (١) من حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّ المسلمين لحقوا رجلاً في غُنيمة له, فقال: السّلام عليكم, فقتلوه وأخذوا غُنيمته فنزلت, وهو حديث صحيح مرويّ من غير طريق, فثبت أنّ التّبيّن طلب البيان لا ردّ المتّهم.

فنقول: من جملة التّبيّن أنّا ننظر إلى المخبر أهو من أهل الصّدق والتّحري أم لا؟ فإن لم يكن منهم لم نقبله, وإن كان منهم نظرنا هل أخبرنا بأمر يتعلّق بحقوق المخلوقين, أو بأمر من أمور (٢) الدّين, فإن كان ممّا يتعلّق بأمر الدّين؛ اكتفينا فيه بظنّ صدقه وأمانته ما لم يجرح بأمر يعارض أدلّة قبوله, وإن كان في حقوق المخلوقين لم نصدقه حتّى


(١) أخرجه البخاري ((الفتح)): (٨/ ١٠٧) , ومسلم برقم (٣٠٢٥).
(٢) في (ي) و (س): ((أمر)).