للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتهمة له, لكفى العدل الواحد, فإن قيل: هذا ينعكس عليكم, فإنّه لو كان العلّة الظّنّ لكفى الوحد أيضاً, فالجواب من وجوه (١):

أحدهما: أنّ القصد في حقوق المخلوقين الظّنّ الأقوى حسب الإمكان المتيسّر, وفي حقوق الله تعالى مجرّد الظّنّ.

وثانيهما: أنّه إذا بطل بهذا تعليلنا بطل به تعليل الخصم, وذلك يضرّ الخصم ولا يضرّنا, لأنّ بطلان به تعليل يستلزم بطلان القياس وبذلك تبطل حجّة الخصم القياسية. وأمّا نحن؛ فلم (٢) نحتج إلى القياس في هذه المسألة وإنّما قصدنا بطلانه.

وثالثها: أنّ سائر أدلّتنا في استنباط التعليل بالظّنّ غير معارضة بما يساويها في القوّة.

الوجه الثّاني: (٣) قوله تعالى: ((او آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت)) [المائدة/١٠٦] فأباح الله تعالى قبول كافر التّصريح عند الضّرورة الدّنيوية, حين لم يوجد من يحفظ المال بالشّهادة سواه, فدلّ على أنّ قبولها ليس بمنصب تشريف لا يستحقه إلا مؤمن, فأولى وأحرى أن نقبل المتأوّل من أهل القبلة, إذا اضطررنا إلى ذلك في أمر ديننا, بأن يحفظ عن نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - حكماً ونظنّ صدقه فيه ولا نجد غيره أحداً يرويه, فإنّ الشّرع قد جعل الشّهادة في حقوق المخلوقين آكد من الخبر عن أمور الدّين, لما ورد فيها من اعتبار


(١) في (س): ((وجهين)) وهو خطأ.
(٢) في (س): ((فلا))!.
(٣) على كون العلّة هي رجحان الصّدق.