فإن قالوا هذا من جهة العقل, لكن قد ورد السّمع بأنّه يدخل المطيع الجنّة والعاصي النّار. قلنا: إنّه إنّما وعد ذلك مقروناً بمشيئته لقوله: ((يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء)) [المائدة/١٨] وهم لا يعلمون من يشاء الله أن يغفر لهم.
والجواب عليه: أنّه جحد للضّرورة, فإنّهم يعلمون أنّ الذين يشاء الله أن يغفر لهم هم من أهل الإسلام دون المشركين, وأنّ أهل الكبائر من أهل الإسلام قد توعّدهم الله بالعقاب, وأنّ وعيد الله تعالى لهم صادق, لكنّه عموم يجوز تخصيصه بالمغفرة لبعضهم من غير تعيين, وبهذا يبقى الخوف والرّجاء مع كلّ مؤمن, وهذا مذهبهم معلوم بالضّرورة, لا يمكن التّشكيك فيه, والآية وإن كانت مجملة, فقد ورد بيانها, وقد أجمع أهل ملّة الإسلام على وجوب العمل ببيان المجمل, فإمّا أن يقول المعترض: إنّه لم يرد لهذه الآية بيان في السّمع, أو يقول: إنّ مذهبهم العمل بالمجمل وطرح المبيّن, وأيّ هذين ارتكب لم يزد على أنّه عرّف خصمه بجرأته على البهت, وقلّة حيائه من أهل العلم.
* فاختر وما فيهما حظ لمختار *
ومن العجائب الدّالّة على إسراف المعترض, وغلوّه: أنّه احتجّ بما ذكره على أنّ الجبرية لا يتنزهّون عن الكذب, وقد قال في البراهمة: إنّهم يتحرّزون عن الكذب أشدّ التّحرّز, ويتنزّهون عنه أعظم التّنزّه, مع أنّ البراهمة يصرّحون بتكذيب جميع كتب الله المنزّلة, ويفصحون بتضليل جميع الأنبياء والرّسل الكرام, وينسبونهم