للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خاضعين, وكثير منّا إذا تأملّنا وأنصفنا يقصر عن كثير منهم في الأعمال لا في العقيدة ولله الحمد والمنّة, وذلك لأنّ من صبر على مشاقّ الطّاعات وترك الشّهوات من غير خوف العذاب؛ فهو شريف النّفس, حرّ الطّبيعة, عزيز الهمّة, عظيم المروءة, كثير الحياء من الله تعالى, ومن لا يقوم إلى الطّاعة حتّى يخاف العذاب من النّار؛ فطبعه طبع شرار العبيد وخساس الهمم, وما أحسن قول ابن دريد (١) في هذا المعنى:

واللّوم للحرّ مقيم رادع ... والعبد لا تردعه إلا العصا

وإنّ كثيراً من المتحابّين من المخلوقين لا يعصي محبوبه ولا يغضبه, وإن كان لا يخاف منه مضرّة, ولهذا قال بعض الظّرفاء في المعنى:

أهابك إجلالاً وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها (٢)

فإن كان هذا ما بين الأحباب من عبيد الله؛ فالذين آمنوا أشدّ حبّاً لله, وفي الحديث المرفوع: ((نِعم العبد صهيب, لو لم يخف الله لم يعصه)) (٣) وفي هذا الجواب موعظة لأهل الحقائق والأحوال. وقد


(١) ((ديوانه)): (ص/١٣٣).
(٢) اختلف في نسبته, فقيل: لنصيب بن رباح الأكبر, وقيل: لمجنون بني عامر.
(٣) قال السخاوي في ((المقاصد الحسنة)): (ص/٤٤٩): ((اشتهر في كلام الأصوليين, وأصحاب المعاني, وأهل العربية من حديث عمر, وذكر البهاء السبكي أنه لم يظفر به في شيء من الكتب ... ثم رأيت بخط شيخنا أنه ظفر به في ((مشكل الحديث)) لأبي محمد بن قتيبة, لكن لم يذكر له ابن قتيبة إسناداً)) اهـ.