فأَومأَ كلِّميهِ أيضاً، فهتفتُ به فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، هلكَ الولدُ وغابَ الوافدُ، فمُنَّ عليَّ مَنَّ اللهُ عليكَ، قالَ:«ومَن وافِدُكِ؟» قلتُ: عديُّ بنُ حاتمٍ، قالَ:«الذي فرَّ مِن اللهِ ورسولِهِ»، ثم قالَ:«اذهَبي فأنتِ حرةٌ لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فإِذا وجدتِ أحداً يأْتي أهلَكِ فأَخبِرينا نحملكِ إلى أهلِكِ»، قالتْ: فانطلقتُ فإِذا أَنا برفقةٍ مِن تنوخٍ يحملونَ الزيتَ، فَباعوا زيتَهم وهم يَرجعونَ، فحمَلَني على هذا الجملِ وزوَّدَني.
قالَ عديٌّ: ثم قالتْ لي عمَّتي: أنتَ رجلٌ أحمقُ، أنتَ قد غلبَكَ على شرفِكَ مِن قومِكَ مَن ليسَ مثلَكَ، ائتَ هَذا الرجلَ فخُذْ بنَصيبِكَ، فقلتُ: وإنَّه لقد نصحَتْ لي عمَّتي، فواللهِ لو أَتيتُ هذا الرجلَ فإنْ رأيتُ ما يسرُّني أَخذتُ، وإنْ رأيتُ غيرَ ذلكَ رجعتُ، وكنتُ أضنُّ بدِيني، فأَتَيتُ حتى وصلتُ المدينةَ في غيرِ جوارٍ، فانتَهيتُ إلى المسجدِ، فإِذا أَنا فيه بحلقةٍ عظيمةٍ، ولم أكنْ قطُّ في قومٍ إلا عُرفتُ، فلمَّا انتهيتُ إلى الحلقةِ سلَّمتُ، فقالَ لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَن أنتَ؟» قلتُ: أَنا عديُّ بنُ حاتمٍ الطائيُّ، وكانَ أَعجبَ شيءٍ إليهِ أَن يُسلِّمَ عليه أَشرافُ العربِ ورؤوسُهم، فوثبَ مِن الحلقةِ فأخذَ بيدي فوجهَ بي إلى منزلِهِ.
فَبينا هو يَمشي مَعي إذ نادَتْه امرأةٌ وغلامٌ مَعها: يا رسولَ اللهِ، إنَّ لنا إليكَ حاجةً، فخَلوا به قائماً مَعهما حتى أَويتُ له مِن طولِ القيامِ، قلتُ في نَفسي: أَشهدُ أنَّكَ بريءٌ مِن دِيني ودِينِ النعمانِ بنِ المنذرِ، وأنكَ لو كنتَ ملكاً لم يقمْ مَعه صبيٌّ وامرأةٌ طولَ ما أَرى، فقذفَ اللهُ في قَلبي له حُباً، حتى انتهيتُ إلى منزلِهِ، فأَلقى إليَّ وِسادةً حشوُها ليفٌ، فقعدتُ عَليها، وقعدَ هو على الأرضِ، فقلتُ في نَفسي: وَهذا، ثم قالَ لي: «ما أَفرَّكَ مِن المسلمينَ إلا أنكَ سمعتَهم يَقولونَ لا إلهَ إلا اللهُ؟ وهَل مِن إلهٍ إلا اللهُ؟ وما أَفرَّكَ مِن المسلمينَ؟ إلا أنكَ سمعتَهم يَقولونَ: