للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإنْ شربَها الرابعةَ لم تُقبلْ له صلاةٌ أَربعينَ ليلةً، ثم إنْ تابَ لم يَتب اللهُ عليه، وكانَ حقَّاً على اللهِ أَن يَسقيَه مِن طينةِ الخَبالِ»، فقالَ عمرُ بنُ الخطابِ: وما طينةُ الخَبالِ؟ قالَ: «عُصارةُ أَهلِ النارِ في النارِ».

والعَفوُ في الثالثةِ واجبٌ، وفي الرابعةِ غيرُ واجبٍ، فقالَ صاحبُ العَسسِ لصاحبِ الخبرِ: هي محنةٌ اكتُمْها عليَّ حتى أُطلِقَه، قالَ: قَد فعلتُ، قالَ: انصرفْ.

فلمَّا كانَ في الرابعةِ طافَا حتى انتَهيا إلى الموضعِ، فإذا هُما بالشيخِ على مثلِ تلكَ الحالِ وهو يَتغنَّى:

قَد كنتُ أَبكي وما حنَّتْ لهم إبلُ ... فَما أَقولُ إذا ما حُمِّلَ الثقَلُ

كأنَّني بكَ نضو لا حراكَ له ... تُدعى وأنتَ عن الدَّاعينَ مُشتغلُ

فقلَّبوكَ بأَيديهم هناكَ وقَد ... سارَتْ بأَجمالِكَ المهريةِ الذللُ

حَتى إذا استَيأَسوا مِن أَن تُجيبَهمُ ... عضُّوا عليكَ وقَالوا قَد قَضى الرجلُ

فحرَّكاه بأَرجُلَهما وقالا له: هذه الرابعةُ فلا عَفو، قالَ: واللهِ ما أَسألُكما عفواً بعدَها فافْعلا ما بَدا لكما.

قالَ: فحَملاهُ فأَوقفاهُ بحضرةِ عمرَ بنِ عبدِالعزيزِ وقصَّا عليهِ قصَّتَه مِن أولِها إلى آخِرِها، فأَمرَ عمرُ باستِنْكاهِه، فوجدَ مِنه رائحةً فأَمرَ بحبسِهِ حتى أَفاقَ، فلمَّا كانَ الغدُ أقامَ عليه الحَدَّ فجَلَدَه ثَمانينَ جلدةً، فلمَّا فرغَ قالَ له عمرُ: انصفْ مِن نفسِكَ ولا تَعُدْ، قالَ: يا أَميرَ المؤمنينَ قد ظَلَمتني، قالَ: وكيفَ؟ قالَ: إنِّي عبدٌ وقد حَدَدتني حدَّ الأَحرارِ، فاغتَمَّ عمرُ وقالَ: أَخطأْتَ عَلينا وعلى نفسِكَ، أَلا أخبَرْتنا أنَّك عبدٌ فنحدَّكَ حدَّ العبيدِ! فلمَّا رأَى اهتمامَ عمرَ تشدَّدَ عليه قالَ: لا يَسؤكَ اللهُ يا أَميرَ المؤمنينَ، يكونُ لي بقيةُ هذا الحَدِّ سَلفاً عندَكَ لعلِّي أُرفعُ إليكَ مرةً أُخرى، فضحِكَ عمرُ حتى استَلقى - وكانَ قليلَ الضحكِ - وقالَ لصاحبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>