يا رسولَ اللهِ آتي أبويَّ؟ قالَ:«نَعم»، قالتْ: جئتُ أبويَّ فقلتُ: ألا أَخبرتُموني بما قالَ الناسُ حتى أَعتذرَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالَ أبوبكرٍ: واللهِ لَوددتُ أنِّي لم أركِ قطُّ وودتُ أنَّكِ حِيضةٌ، ما قيلَ لي هذا في الجاهليةِ قطُّ فَفي الإسلامِ! قالتْ: قلتُ: واللهِ لا أُخزيكَ أبداً، قالتْ: وقالتْ أُمي: يا بنيةُ خفِّضي عليكِ شأنكِ، فقلَّ ما كانَت امرأةٌ حسناءُ قطُّ لها ضرائِرُ يُحبُّها زوجُها إلا بغيْنَها شراً.
قالتْ: فدخلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: «يا عائشةُ، إِن كنتِ فعلْتِ شيئاً مِما قَالوا فآذِنيني أستغفِرْ لكِ» قال: قلتُ لأبويَّ: أَجيبا عنِّي رسول اللهِ عليه السلامُ، فقال أبوبكرٍ: واللهِ ما أَدري ما أُجيبُه عنكِ؟ قالتْ: قلتُ: واللهِ لا أَستغفرُ اللهَ مِن هذا الحديثِ أبداً، إنْ كنتُ عملتُه فلا غفرَ اللهُ لي، ما أجدُ مثلي ومثلكم إلا كمثلِ أبي يوسفَ عليه السلامُ - قالَ: وما أهتدي لاسمِ يعقوبَ عليه السلامُ مِن الأسفِ - حين قالَ:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف: ١٨]، وبكيتُ.
قالتْ: ثم أَخذَ رسولُ اللهِ عليه السلام كهيئةِ النَّعسةِ، قالتْ: فقالَ أبوبكرٍ: احتَضنيهِ، قالتْ: قلتُ: واللهِ لا أَمسُّه، قالتْ: فسُرِّيَ عنه وهو يضحكُ قالَ: «شعرتِ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أنزلَ براءتَكِ؟» قالتْ: قلتُ: بحمدِ اللهِ ولا بحمدِكَ، فأَنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}[النور: ١١] إلى قولِهِ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ}[النور: ٢٦].
فقالَ أبوبكرٍ: لا أَنفعُ مِسْطحاً بمنفعةٍ أبداً فقد كنتُ أمونُهُ، فأنزلَ اللهُ تبارك وتعالى على نبيِّه:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ}[النور: ٢٢] إلى آخرِ الآيةِ، وكفَّرَ أبوبكرٍ عن يمينِهِ وأَحسنَ إليه بعدُ ورادَّهُ إلى ما كانَ يصنعُ قبلُ إليهِ، ونزلَ في شأنِ عائشةَ في سورةِ النورِ بعدَ العشرِ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا