قالَ له إبراهيمُ: فأينَ مَمشاكَ؟ قالَ: على ذلكَ الماءِ، قالَ له إبراهيمُ: فإنَّ الذي ذلَّله لكَ قادرٌ على أنْ يُسخِّرَه لي.
فمَضيا يمشيانِ حتى انتَهيا إلى بيتِ أهلثَ، فإذا قِبلتُه قبلةُ إبراهيمَ، فقالَ له إبراهيمُ: أيُّ يومٍ أشدُّ على الناسِ يا أهلثُ؟ قالَ: يومُ ينزلُ الجبارُ جلَّ جلالُه لفصلِ القضاءِ، فتُوضعُ الموازينُ وتُنشرُ الدواوينُ، قالَ إبراهيمُ: صدقتَ يا أهلثُ، إنَّه ليومٌ عظيمٌ إلا مَن هوَّنه اللهُ عليه، قالَ إبراهيمُ: يا أهلثُ، ادعُ اللهَ أنْ يهوِّنَ علينا هولَ ذلكَ اليومِ، قالَ أهلثُ: هذا إليكَ يرحمكَ اللهُ، إنَّ لي عشرَ سنينَ أَدعو بدعوةٍ لم أرَ لها إجابةً، قالَ له إبراهيمُ: يا أهلثُ، إنَّ اللهَ إذا أحبَّ عبداً وكانَ دعّاءً فدعا يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: صوتٌ أحبُّه لا أُنكرُه، امكُثوا لقضاءِ حاجةِ عَبدي، وإذا كانَ العبدُ غيرَ دعّاءٍ فدَعا يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: صوتٌ أُبغضُه وأُنكرُه، اقضُوا حاجةَ عَبدي وما كانَ مِن دعاءِه.
قالَ: بَينا أَنا في ذلكَ الموضعِ الذي رأيتَ رأيتُ وجهاً عليه ذُؤابتان تَضربانِ خضرةً يَرعى غنماً حِساناً وبقراً سِماناً، فلا أَدري أي الأشياءِ أحسنُ الغلامُ أم رعيتُه، فإذا هو يُسبحُ اللهَ ويحمدُه ويهللُه ويكبرُه ودموعُه تسيلُ، فدنوتُ مِنه فسلمتُ عليه فردَّ عليَّ السلامَ، قالَ أهلثُ: فقلتُ: يا غلامُ لِمن هذه البقرةُ والغنمُ؟ قالَ: لإبراهيمَ، قالَ: ومَن إبراهيمُ؟ قالَ: إبراهيمُ خليلُ الرحمنِ، قلتُ: وما أنتَ مِنه؟ قالَ: ابنُ ابنِه وهو جدّي، فأنا مُبتهلٌ إلى اللِه عزَّ وجلَّ مِن ذلكَ اليومِ إنْ كانَ له في الأرضِ خليلٌ أنْ يُرينهِ قبلَ الموتِ، قالَ: فتبسمَ إبراهيمُ ثم قالَ: يا أهلثُ، أنا إبراهيمُ الخليلُ، والخليلُ هو الصديقُ، فقامَ أهلثُ قائماً يَبكي، فاعتنقَ إبراهيمَ وقبّلَ موضعَ السجودِ، عندَ ذلكَ شهقَ أهلثُ شهقةً حتى فارقَ الدُّنيا، وتولَّى إبراهيمُ أهلثَ حتى أجنَّه في حفرتِه هو وجماعةٌ مِن ولدِه».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute