للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قيسٌ: أشهِدْ مَن تحبُّ، وكانَ فيمَن أشهَدَ عمرُ بنُ الخطابِ، فقالَ عمرُ: ما أشهدُ، هذا يدينُ ولا مالَ له، إنَّما المالُ لأبيهِ، قالَ الجهنيُّ: واللهِ ما كانَ سعدٌ ليُخْنِيَ (١) بابنِه في وسقةٍ مِن تمرٍ، وأَرى وجهاً حسناً وفعالاً شريفاً، فكانَ بينَ عمرَ وقيسٍ كلامٌ حتى أغلظَ لقيسٍ، وأخذَ الجُزرَ فنحرَها لهم في مواطنَ ثلاثةٍ كل يومٍ جزوراً، فلمَّا كانَ اليومُ الرابعُ نَهاه أميرُه قالَ: أتريدُ أنْ تخفِرَ ذمتَكَ ولا مالَ لكَ؟

قالَ محمدٌ: فحدَّثني محمدُ بنُ يحيى بنِ سهلٍ، عن أبيه، عن رافعِ بنِ خديجٍ قالَ: أقبلَ أبوعبيدةَ ومعه عمرُ، فقالَ: عزمتُ عليكَ أَن لا تنحرَ، أتريدُ أنْ تَخفرَ ذمتَكَ؟ قالَ قيسٌ: يا أبا عبيدةَ، أَترى أبا ثابتٍ يَقضي ديونَ الناسِ ويحملُ الكَلَّ ويُطعمُ في المجاعةِ لا يَقضي عنِّي وسقةً مِن تمرٍ لقومٍ مجاهدينَ في سبيلِ اللهِ! فكادَ أبوعبيدةَ أنْ يلينَ له، وجعلَ عمرُ يقولُ: اعزِمْ، فعزمَ عليه وأَبى أنْ ينحرَ وبقيتْ جزورانِ، فقدِمَ بها قيسٌ المدينةَ ظَهراً يتعاقَبونَ عليها.

وبلغَ سعداً ما أصابَ القومَ مِن المجاعةِ فقالَ: إِن يكُ قيسٌ كما أعرفُ فسينحرُ للقومِ، فلمَّا قدمَ قيسٌ لقيَه سعدٌ فقالَ: ما صنعتَ في مجاعةِ القومِ؟ قالَ: نحرتُ، قالَ: أصبتَ، قالَ: ثم مَاذا؟ قالَ: نحرتُ، قالَ: أصبتَ، قالَ: ثم مَاذا؟ قالَ: نحرتُ، قالَ: أصبتَ، قالَ: ثم مَاذا؟ قالَ: نُهيتُ، قالَ: مَن نهاكَ؟ قالَ: أبوعبيدةَ أَميري، قالَ: ولِمَ؟ قالَ: زعمَ أنَّه لا مالَ لي وإنَّما المالُ لأبيكَ، فقلتُ: أبي يَقضي عن الأباعدِ ويحملُ الكَلَّ ويُطعمُ في المجاعةِ ولا يَصنعُ هذا بي! قالَ: فلكَ أربعُ حوائطَ أدْناها حائطٌ مِنه تجدُّ خمسينَ وسقاً.

قالَ: وقدمَ البدويُّ مع قيسٍ فأوفاهُ وسقَهُ وحملَهُ وكساهُ، فبلغَ ذلكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعل قيسٍ فقالَ: «إنَّه في قلبِ جودٍ».


(١) أي يسلمه ويخفر ذمته. النهاية (٢/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>