كافر والمتعم للخلاف بلا حُجَّةٍ عنده منافق كافر أو فاسق فاجر، وكلاهما من أهل النار على الخلود».
هذا ما ذكره الإمام أبو منصور البغدادي ووافقه على أكثر ما فيه الشهرستاني صاحب "الملل والنحل " المُتَوَفَّى سَنَةَ (- ٥٤٨ هـ). ومنه نرى أن المعتزلة ما بين شاك بعدالة الصحابة منذ عهد الفتنة كـ «واصل»، وما بين مُوقِنٍ بفسقهم كـ «عمرو بن عبيد» وما بين طاعن في أعلامهم، مُتَّهِمٍ لهم بالكذب والجهل والنفاق كَالنَظَّامِ، وذلك يوجب رَدَّهُمْ للأحاديث التي جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة بناء على رأي واصل وعمرو ومن تبعهما، وأن أخبار الآحاد لا تثبت عند أبي الهذيل حُكْمًا إلا إذا رواها عشرون، بينهم واحد من أهل الجنة، وأن النَظَّامَ يُنْكِرُ حُجِيَّةَ الإجماع والقياس وقطعية التواتر.
وقد كان لموقف المعتزلة مِنَ السُنَّةِ هذا الموقف المتطرف المباين لعقيدة جمهور المُسْلِمِينَ أثر كبير في الجفاء بين علماء السُنَّةِ ورؤوس المعتزلة، تراشق على أثره الفريقان التُّهَمَ، فالمعتزلة يرمون المُحَدِّثِينَ بروايتهم الأكاذيب والأباطيل، وبأنهم زوامل للأخبار لا يفهمون ما يَرْوُونَ. ويذكرون لهم من الطرائف في ذلك ما صح بعضها عن عوام أهل الحديث لا عن رؤسائهم (١)، بينما يَتَّهِمُ المُحَدِّثُونَ أئمة الاعتزال بالفسق والفجور والابتداع في الدين والقول بآراء ما نَزَّلَ اللهُ بها من سلطان، فقد نقل ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث "، وكذلك البغدادي في " الفرق بين الفرق " عن النظام أنه كان يقول بأن الطلاق لا يقع بشيء من ألفاظ الكناية، وأن من ظَاهَرَ امرأته بذكر البطن أو الفرج لم يكن مُظَاهِرًا، وأن النوم لا ينقض الطهارة إذا لم يكن معه حدث، وأن من ترك صلاة مفروضة عمداً لم يصح قضاؤه لها، ولم يجب عليه قضاؤها، كما ذكر ابن قتيبة عنه أنه كان سِكِّيرًا مَاجِنًا يغدو على سكر، ويروح على سكر وأنه قال عن الخمر: