فابن عمر قد كان ينتفع بالمخابرة ويراها حلالاً، ولم يتوسع إذ أخبره واحد لا يتَّهمه عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا أن يخابر بعد خبره، ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله ولا يقول:«ما عاب هذا علينا أحد ونحن نعمل به إلى اليوم» وفي هذا ما يبين أن العمل بالشيء بعد النَّبِيّإذا لم يكن بخبر عَنْ النَّبِيِّ لم يوهن الخبر عَنْ النَّبِيِّ- عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -.
٢٨ - أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنَّ معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو وَرِق بأكثر من وزنها. فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هذَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:«مَا أَرَى بِهذَا بَأْساً»، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:«مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ؟ أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ. لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ»(١)، فرأى أبو الدرداء الحُجَّة تقوم على معاوية بخبره ولما لم يَرَ ذلك معاوية، فارق أبو الدرداء الأرض التي هو بها، إعظاماً لأنه تَركَ خَبَرَ ثقة عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
٢٩ - وأ خبرنا أنَّ أبا سعيد الخُدري لقي رجلاً فأخبره عن رسول الله شيئاً، فذكر الرجل خبراً يخالفه، فقال أبو سعيد:«وَاللهِ لاَ آوَانِي وَإِيَّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ أَبَداً». قال الشافعي: يرى أن ضيِّقاً على المخبَر ألاَّ يقبل خبره، وقد ذكر خبراً يخالف خبر أبي سعيد عَنْ النَّبِيِّ، ولكن في خبره وجهان «أحدهما: يحتمل به خلاف خبر أبي سعيد، والآخر: لا يحتمله».
٣٠ - أخبرنا من لا أتّهم عن ابن أبي ذئب عن مَخْلد بن خفاف قال:«ابتعت غلاماً فاستغللته، ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى عمر بن عبد العريز فقضى لي بِرَدِّهِ، وقضى عليَّ بِرَدِّ غلته» فأتيت عُروة فأخبرته، فقال: «أروح إليه العشية فأُخبره أنَّ عائشة أخبرتي أن رسول الله قضى في مثل
(١) تفرَّدَ الشافعي بهذه الرواية. وقد قال ابن عبد البر: إنها محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، ولكن إسنادها صحيح، فتكون من الأفراد الصحيحة. اهـ. هامش " الرسالة ": ص ٤٤٦.