وموافقاً على موضوعها، فأبى عليه هذا المستشرق أن يكون موضوع رسالته نقد كتاب «شَاخْتْ»، وعبثاً حاول أن يوافق على ذلك، فلما يئس من جامعة لندن، ذهب إلى جامعة كمبردج وانتسب إليها وتقدم إلى المشرفين على الدراسات الإسلامية فيها برغبته في أن يكون موضوع رسالته للدكتوراه هو ما ذكرناه، فلم يبدوا رضاهم عن ذلك، وظن أن من الممكن موافقتهم أخيراً، ولكنهم قالوا له بصريح العبارة: إذا أردت أن تنجح في الدكتوراه فتجنب انتقاد شَاخْتْ، فإن الجامعة لن تسمح لك بذلك، وعندئذ حَوَّلَ موضوع رسالته إلى " معايير نقد الحديث عند المُحَدِّثِين "، فوافقوا، ونجح في نوال - الدكتوراه - وهو الآن مُدَرِّسٌ في كلية الشريعة بجامعة دمشق.
هذه كلمة موجزة عما تحققته بنفسي عن المُسْتَشْرِقِينَ، وخاصة كتب جولدتسيهر وآرائه، وقد أفردت لمناقشته فصلاً خَاصًّاً في هذا الكتاب بينت فيه تحامل هذا المستشرق اليهودي، وتشويهه للحقائق، وتحريفه للنصوص، وتأويله للوقائع التاريخية وفق هدفه الذي سعى إليه، واعتماده على مصادر لا قيمة لها في نظر العلم، وتكذيبه للمصادر العلمية المعترف بها عند أئمتنا وعلمائنا المُحَقِّقِينَ.
ومن المؤلم أن طلاب العالم الإسلامي الذين يدرسون باللغة الإنجليزية في بلادهم لا يزالون مضطرين إلى دخول الجامعات الإنجليزية، فلا يجد طلاب الدراسات الإسلامية أمامهم مراجع لدراساتهم التي ينالون بها الدكتوراه غير تلك المراجع المسمومة، وهم لا يعرفون اللغة العربية، فيتقرر عندهم أن تلك الدسائس حقيقية مأخوذة من كتب الفقهاء والعلماء المُسْلِمِينَ أنفسهم.
إن هذا مِمَّا يدعو جامعاتنا العربية للتفكير في إنشاء أقسام لفروع شهادة الدكتوراه باللغة الإنجليزية. وأعتقد أن ذلك من شأنه أن يُحَوِّلَ أنظار كثيرين من طلاب العالم الإسلامي عن جامعات الغرب إلى بلادنا العربية. فنصون هؤلاء من التأثر بدسائس المُسْتَشْرِقِينَ المُتَعَصِّبِينَ الاِسْتِعَمَارِيِّينَ.
ومن جهة أخرى فقد خدع ببحوث المُسْتَشْرِقِينَ وخاصة المستشرق اليهودي