والذي يستخلص منه أن أبا هريرة لم ينفرد برواية الحديث، بل رواه عَلِيٌّ وعائشة وأنه رُوِيَ عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً، ولا أثر لرد ابن عباس عليه إذ لو ثبت لنقله كما نقل غيره، مِمَّا رَدَّ فيه بعض الصحابة على بعض، وأن أهل العلم مختلفون في ذلك اختلافاً كبيراً، وفي هذا كله ما يسقط احتجاج مؤلف " فجر الإسلام " بهذه الواقعة التي لم يثبت وقوعها، بين أبي هريرة وابن عباس، وأن أبا هريرة رَوَى حَدِيثًا في غسل الميت لم ينفرد به، بل شاركه فيه غيره على ما سمعت.
ثالثاً: على فرض صحة الواقعة وثبوت رَدِّ ابن عباس، فليس معناه التكذيب ولا الطعن، بل هو خِلاَفٌ في فهم الحديث وفقهه، فأبو هريرة يوجب الوضوء من الجنازة عَمَلاً بظاهر الحديث، وابن عباس يرى الوجوب غير مُرَادِ الحديث بل هو محمول على الندب، ولذا قال:«لاَ يَلْزَمُنَا الوُضُوءُ ... »، فلكمة «لاَ يَلْزَمُنَا» نص في تحرير النزاع بين الطرفين: أبو هريرة يثبت اللزوم، وابن عباس ينفيه، وكل منهما صحابي جليل فقيه مجتهد، فلا حرج في اختلافهما في فهم الحديث واستنباط فقهه.
٢ - وأما الحديث الثاني وهو:«مَتَى اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ ... إلخ».
فهو صحيح أخرجه " البخاري " و" مسلم " وغيرهما من أصحاب الصحاح، وهو مروي عن ابن عمر وجابر وعائشة.
أما رد عائشة عليه وقولها له:«[كَيْفَ] نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ؟» فهذا لم يصح في كتب الحديث، ولا ذكر له فيها، بل الذي صَرَّحَ به ابن العربي والحافظ الولي العراقي في " طرح التثريب شرح التقريب " نقلاً عن البيهقي: «أن الذي اعترض على أبي هريرة هو قين الأشجعي من أصحاب عبد الله بن مسعود، وتلك هي عبارة العراقي:" تقدم أنه في رواية مسلم بدل قوله في وضوئه: " فِي إِنَائِهِ " وفي رواية " فِي الإِنَاءِ " وهذا يدل على أن النهي مخصوص بالأواني دُونَ البرك والحياض التي لا يخاف فساد مائها بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها، ولذلك قال قين الأشجعيُّ