للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلماء جميعاً - فلم يرجع عن رأيه، مِمَّا حملني على أن أطلب منه ترجمة ما قاله جولدتسيهر عن الزُّهْرِيِّ تماماً، فترجمه لي في ورقتين بخط يده، وبدأت أرجع إلى المكتبات العامة للتحقيق في سيرة الزُّهْرِيِّ وفي حقيقة ما اتهمه به هذا المستشرق. ولم أترك كتاباً مخطوطاً في مكتبة الأزهر وفي دار الكتب المصرية من كتب التراجم إلا رجعت إليها ونقلت منها ما يتعلق بِالزُّهْرِيِّ، واستغرق ذلك ثلاثة أشهر كنت أشتغل فيها منذ مغادرتي كلية الشريعة بعد الدروس حتى أواخر الليل، فلما تجمعت لدي المعلومات الصحيحة، قلت لأستاذنا الدكتور عبد القادر: «لَقَدْ تَبَيَّنَ لِي أَنَّ جُولْدْتْسِيهِرْ قَدْ حَرَّفَ نُصُوصَ الأَقْدَمِينَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزُّهْرِيِّ»، فأجابني بقوله: «لاَ يُمْكِنُ هَذَا، لأَنَّ المُسْتَشْرِقِينَ - وَخَاصَّةً جُولْدْتْسِيهِرْ - قَوْمٌ عُلَمَاءٌ مُنْصِفُونَ لاَ يُحَرِّفُونَ النُّصُوصَ وَلاَ الحَقَائِقَ!» ..

عندئذ أزمعت على إلقاء محاضرة في الموضوع في دار جمعية الهداية الإسلامية - قرب سراي عابدين قَدِيمًا - وأرسلت إدارة الجمعية بطاقات الدعوة لهذه المحاضرة إلى علماء الأزهر وطلابه، فاجتمع يومئذ عدد كبير منهم ما بين أساتذة وطلاب، ومن بينهم أستاذنا الدكتور عبد القادر - الذي رجوته حضور هذه المحاضرة، وإبداء رأيه فيما أقول، فتفضل مشكوراً بالحضور، وأصغى إلى المحاضرة كلها التي كانت تدور حول ما كتبه جولدتسيهر عن الإمام الزُّهْرِيِّ، وختمتها بقولي: هذا هو ما أراه في هذا الموضوع، وهذا هو رأي علمائنا في الزُّهْرِيِّ، فإن كان لأستاذنا الدكتور عبد القادر مناقشة حول الموضوع إن لم يقتنع بما ذكرته، فأرجو أن يتفضل بالكلام، فنهض الدكتور - حَفِظَهُ اللهُ -، وقال بصوت سمعه الحاضرون جميعاً: «إِنِّي أَعْتَرِفُ بِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ مَنْ هُوَ الزُّهْرِيُّ حَتَّى عَرَفْتُهُ الآنَ، وَلَيْسَ لِي اعْتِرَاضٌ عَلَى كُلِّ مَا ذَكَرْتَهُ»، وَانْفَضَّ الاجتماع، ثم دخلنا غرفة الأستاذ السيد مُحَمَّدٍ الخَضِرْ حُسَيْن - رَحِمَهُ اللهُ - رئيس الجمعية الأستاذ الأكبر للجامع الأزهر فيما بعد - فكان مِمَّا قاله أستاذنا الدكتور - حَفِظَهُ اللهُ -، - وكان ذلك بحضور السيد الخضر حسين - رَحِمَهُ اللهُ -: «إِنَّ بَحْثَكَ هَذَا فَتْحٌ جِدِيدٌ فِي بُحُوثِ المُسْتَشْرِقِينَ، وَأَرْجُو أَنْ تُعْطِينِي نُسْخَةً مِنْ هَذِهِ المُحَاضَرَةِ لأُبْعَثَ بِهَا إِلَى المَجَلاَّتِ العِلْمِيَّةِ التِي تُعْنَى بِبُحُوثِ المُسْتَشْرِقِينَ فِي أَلْمَانْيَا، وَإِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّهَا