خَلَّصُوا العراق من حكم الفُرْسِ وعلى رؤسائهم الإداريين الذين كانوا يوجهون هذه الحملات التحريرية، وعلى علمائهم الذين نشروا علم الإسلام وشريعته وأدوا أمانة العلم إلى من بعدهم بتجرد لا يعرف أولئك الحاقدون له مثيلاً في تاريخهم أو تاريخ غيرهم.
لقد حصل هذا كله وأثَّرَ أثراً بالغاً في تشتيت كلمة المُسْلِمِينَ ووهن قوتهم فيما بعد، وكان الظن أن يعي المخلصون المثقفون من المُسْلِمِينَ في هذا العصر هذه الدروس المؤلمة، ولكن للأسف فإن كثيراً من هؤلاء لم يمسكوا القلم ليرفعوا، أُمَّتَنَا من حضيض الجهالة والتأخر، وليدفعوها إلى ميادين العلم والقوة والحضارة، بل أعادوها جذعةً من جديد، فاقتصرت على كتاباتهم وأقاصيصهم على تصوير الخلاف القديم بأسلوب يزيد في الفرقة، ويؤجج نار الضغائن، ويشمت أعداء الإسلام بنا، ويحقق لهم أهدافهم في منعنا من الالتقاء من جديد على الحب والخير والتعاون على البر والتقوى. ولو سألت هؤلاء الذين يزيدون النار اشتعالاً، فِيمَ هَذَا الجهد الضائع؟ وفيم هذه المساعي التي تلهي أُمَّتَنَا عن بناء المجد من جديد، وعن تحرير أوطانها من الاستعمار وآثاره، وتمكن للاستعمار الجديد أن يُتَمِّمَ رسالة الاستعمار القديم في إذلالها واستلاب خيراتها والحيلولة دُونَ تجمعها ووحدتها؟ لو سألتهم فيم هذا كله لما كان لهم إلا جواب واحد: إننا ندافع عن حق سلب من أصحابه! .. هل في تاريخ العالم كله أن أُمَّةً شغلت بنزاع بين أجدادها مضى منذ أربعة عشر قرناً وقد أنتهوا إلى ذمَّةِ الله وهو وحده الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ هل في العالم اليوم أُمَّةٌ تحترم نفسها وتغار على كرامتها تشغل بخلاف عفى عليه الزمان عن أخطار محدقة بها من كل مكان؟
هذه بعض الأمثلة على يقظة أعدائنا وسهرهم على إحكام المؤامرات على أُمَّتِنَا وشريعتنا وتاريخنا، وغفلتنا نحن عن ذلك كله، وانسياقنا مع الأهواء والعواطف التي يعرف أعداؤنا كيف يُثِيرُونها بيننا في كل عصر بما يلائم روح العصر ومقتضيات مصالح أولئك الأعداء ...
ترى، كم فاض تاريخ الإسلام بهذه الظاهرة المؤلمة: يقظة أعدائه ودأبهم على حَبْكِ المؤامرات لتهديمه، وغفلة أبنائه عن ذلك كله فلا يشعرون بالخطر إلا بعد أن