للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا المقام لم يُغفل السمعاني الرد على الطبائعيين، الذين يسندون أمر هذا الكون إلى الطبيعة أو الصدفة. وهذا أمر عجيب، وشأن غريب؛ لأنهم لو أمعنوا النظر، وتأملوا قليلاً بالفكر، لتوصلوا إلى النتيجة التي توصل إليها العامة، وعرفها الخاصة، إن هذا الكون بيد الله جل وعلا، ولكن من لم يجعل الله له نوراً فماله من نور. وهنا نتساءل: هل في إمكان الطبيعة التمييز بين خلق الضار والنافع، وهل باستطاعتها التفريق في الأشكال والألوان والأصوات في الأجناس، فضلاً عن الجنس الواحد، وهل في مقدرتها خرق العادة، وإبطال الأسباب.

وهذا الإحكام المتقن، والخلق المبدع، والتدبير الكامل، والتصرف الشامل، هل يمكن أن يكون مثله في وسع الطبيعة. كيف يتجمع المطر، وكيف ينزل؟ ولم ينزل بهذا القدر في مكان دون آخر؟

تأمل في نفسك، وتفكر في مراحل نموك:

أين الطبيعة عند كونك نطفة ... في البطن إذ مشجت به الماءان

أين الطبيعة حين عدت عليقة ... في أربعين وأربعين ثواني

أين الطبيعة عند كونك نطفة ... في أربعين وقد مضى العددان

أترى الطبيعة صورتك مصوراً ... مسامع ونواظر وبنان

أترى الطبيعة أخرجتك منكساً ... من بطن أمك واهي الأركان

أم فجرت لك باللبان ثديها ... فرضعتها حتى مضى حولان

أم صَيَّرت في والديك محبة ... فهما بما يرضيك مغتبطان

يا فيلسوف لقد شغلت عن الهدى ... بالمنطق الرومي واليوناني (١)


(١) ((القحطاني: محمد بن صالح: القصيدة النونية، دار الذكرى، ط ١، (٣٣)

<<  <   >  >>