للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر السمعاني توجيها لبعض النحويين، أن هذه الآية خاصة بالأصنام فلا تشمل غيرهم من حيث العربية، فقال:"وزعم قطرب وجماعة من النحويين أن الآية ما تناولت إلا الأصنام من حيث العربية؛ لأن الله تعالى قال:" وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ" وهذا يقال فيما لايعقل، وأما فيما يعقل فيقال:"ومن تعبدون من دون الله" " (١)،وإلى هذا مال الطبري في تفسيره، فقال:" وليس الذين سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدون؛ لأنهم غير معنيين بقولنا:" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ" " (٢)، وبهذا رد الطبري قول من يقول:"إن " هنا بمعنى"إلا" إلاستثنائية (٣)، فقال: "فأما قول الذين قالوا: ذلك استثناء من قوله" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ" فقول لامعنى له؛ لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى له، ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى إنما هم إما ملائكة، وإما إنس أو جان، وكل هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ماتذكرها بمن، لابما والله تعالى ذكره، إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حصب جهنم بما قال:" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ"إنما أريد به ماكانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب لا من الملائكة والإنس " (٤).

الجهة الرابعة: أن هذه المعبودات من إفك الكفار وصنعهم:

يقول تعالى:"إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (العنكبوت ١٧).

واختلف المفسرون في معنى قوله:" وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا "على قولين (٥):

الأول: أي وتصنعون كذبا وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.


(١) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ٤١٠.
(٢) الطبري: جامع البيان:١٨/ ٥٤٠.
(٣) البغوي: معالم التنزيل:٣/ ٣١٨.
(٤) الطبري: جامع البيان:١٨/ ٥٤٠.
(٥) السمعاني: تفسير القرآن:٤/ ١٧٣.

<<  <   >  >>