للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: أي وتنحتون إفكا، وهو مروي عن ابن عباس وقتادة، بمعنى: أنكم تنحتون الأصنام بأيديكم وتعبدونها، وحُكى أن بني حنيفة اتخذوا صنما من الحيس-وهو التمر مع السمن-ثم إنه أصابتهم مجاعة فأكلوه، قال الشاعر:

أكلت حنيفة ربها ... زمن التفحم والمجاعة

لم يحذروا من ربهم ... سوء العواقب والتباعة

وعلى كلا القولين: هو بيان لعجز الآلهة المزعومة، فعلى القول الأول: أنهم صنعوا كذبا، ولذا سميت الأصنام إفكا؛ لأنهم سموها آلهة.

وعلى القول الثاني: كيف تعبدون أصناما تنحتونها بأيديكم.

الجهة الخامسة: بيان عجز الأصنام بضرب الأمثال:

وهذا في القرآن كثير: فقد ضرب الله تعالى المثل، ببطلان عبادة الأصنام واستحقاق الإلهية لله وحده لاشريك له، بأشياء كثيرة، كالذباب والعنكبوت، وبالأحرار والعبيد فقال سبحانه وتعالى:

١/" يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْ‍ئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (الحج ٧٣).

بينت هذه الآية عجز الأصنام من جهتين:

الأولى: أنهم لو اجتمعوا برمتهم فهم أعجز وأحقر من أن يخلقوا ذبابا، فمن كان عاجزا عن خلق ذباب، فهو غير مستحق للعبادة، وإنما ذكر الذباب؛ لخسته ومهانته وضعفه (١)، فأراد أن يُعلمهم أن العبادة إنما تكون للخالق المُنشِيء، دون المخلوق المُنْشَأ (٢).


(١) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ٤٥٦.
(٢) الماوردي: النكت والعيون:٤/ ٤٠.

<<  <   >  >>