للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثانية: عجزهم عن استنقاد ما استلبه الذباب منهم من الطعام أو الطيب، ومن كان كذلك بحيث لا يستطيع دفع أذية أحقر الحيوانات وأضعفها، فهو غير جدير بالعبودية. ولذا قال جل وعز:" ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" قال ابن عباس: الطالب: آلهتهم، والمطلوب: الذباب، إذن: فكيف يُجعل مثل في العبادة ويشرك فيها مع الله تعالى، ما لاقدرة له على خلق الذباب، ولا استنقاذ ماسلبته اياه، والشأن أن الله تعالى هو الخالق المالك المحيي المميت، الذي بيده مقاليد كل شيء، ولا شك في أن فاعل هذا في غاية الجهل، ولذا فهؤلاء لم يعظموا الله حين أشركوا معه غيره (١).

٢/" مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت ٤١).

وهذا من أوضح البراهين، وأكبر الأدلة، على عدم استحقاق هذه الآلهة المزعومة للعبادة وإنما هي مستحقة لمن بيده الضر والنفع، والمنع والعطاء، فهؤلاء المشركون أضعف ماكانوا حين اتخذوا من دون الله أولياء، فلم يستفيدوا منهم إلا ضعفا على ضعفهم، وكذا كل من تعزز بغير الله تعالى، لم يحصل مقصوده، وهذا من أحسن الأمثلة وأدلها على بطلان الشرك، وعلى خسران صاحبه (٢).

وقد بين الإمام السمعاني وجه هذا المثل، على بطلان استحقاق المعبودات للإلهية، فقال:"وإنما مثّل عبادة الأصنام ببيت العنكبوت؛ لأن بيت العنكبوت لايقي حرا ولا بردا، وكذلك عبادة الأصنام لاتجلب نفعا ولا تدفع ضرا،" وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"أي: لو كانوا يعلمون أن عبادة الأصنام لا تغني شيئا، كما علموا أن بيت العنكبوت لايدفع شيئا " (٣).


(١) الطبري: جامع البيان:١٨/ ٦٨٦ (بتصرف).
(٢) ابن القيم: التفسير القيم:٤٢٨ (بتصرف).
(٣) السمعاني: تفسير القرآن:٤/ ١٨٢.

<<  <   >  >>