للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب جماعة من العلماء إلى ثبوتها، ومنهم السمعاني كما ذكرنا، وأفاض الطبري في ذكر الروايات الدالة على هذه القصة (١)، ونافح عنها الهيثمي (٢)، والشوكاني (٣)،وجماعة، قال الحافظ بن حجر: "وقصة هاروت وماروت جاءت بسند حسن، من حديث ابن عمر في مسند أحمد، وأطنب الطبري في إيراد طرقها بحيث يقضي بمجموعها، على أن للقصة أصلا، خلافا لمن زعم بطلانها كعياض ومن تبعه " (٤).

وقد ذكر الرازي وغيره أوجها من بطلان هذه القصة، حتى قال الرازي: فهذه القصة قصة ركيكة، يشهد كل عقل سليم بنهاية ركاكتها (٥)، فمن أوجه بطلانها:

١ - أنهم ذكروا في القصة: أن الله تعالى قال لهما: لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم لعصيتماني، فقالا: لو فعلت بنا ذلك يارب لما عصيناك، وهذا منهما تكذيب لله تعالى، وتجهيل له، وذلك من صريح الكفر.

٢ - في القصة أنهما خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وذلك فاسد، بل كان الأولى أن يخيرا بين التوبة وبين العذاب، والله تعالى خير بينهما من أشرك به طول عمره، وبالغ في إيذاء أنبياءه.

٣ - في القصة أنهما يعلمان السحر حال كونهما مُعَذبين، ويدعوان إليه وهما معاقبان على المعصية.

٤ - أن المرأة الفاجرة كيف يُعقل أنها لما فجرت صعدت إلى السماء وجعلها الله تعالى كوكباً مضيئاً، وعظَّم قدره؛ بحيث أقسم به، حيث قال:" فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ" [التكوير:١٥ - ١٦] (٦)، ولذا ذهب العلماء في تخريج هذه القصة إلى أقوال:

أ ـ ذهب بعضهم إلى أنهما كانا رجلين متظاهرين بالصلاح والتقوى من أهل بابل، وكانا يعلمان الناس السحر، وبلغ حسن اعتقاد الناس بهما أن ظنوا أنهما ملكان من السماء، وما يعلمانه هو بوحي من السماء (٧).


(١) الطبري: جامع البيان:٢/ ٢٣٠ ..
(٢) الهيتمي: الفتاوى الحديثية: دار الفكر (٤٥).
(٣) الشوكاني: فتح القدير:١/ ١٤٤.
(٤) ابن حجر: فتح الباري:١٠/ ٢٢٥.
(٥) الرازي: مفاتيح الغيب:٢/ ٣٩٣.
(٦) الرازي: مفاتيح الغيب:٢/ ٣٩٣.
(٧) القاسمي: محاسن التأويل: دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤١٨ هـ (١/ ٣٦٥).

<<  <   >  >>