-وحكى في كتابه القواطع الخلاف في المسألة، ورجح أن العقل بذاته ليس دليلا على تحسين شيء ولا تقبيحه، ولا حظره ولا إباحته، ولا يُعرف حسن الشيء وقبحه، ولا حظره ولا تحريمه حتى يرد السمع بذلك، وإنما العقل آلة يدرك بها الأشياء، فيدرك به ما حسن وقبح، وأبيح وحرم، بعد أن يثبت ذلك بالسمع، ثم قال عن هذا القول: وهو الصحيح، وإياه نختار، ونزعم أنه شعار أهل السنة (١).
وبهذا يظهر أن رأي السمعاني في هذه المسألة موافقا لما ذهبت إليه الأشعرية، والصحيح ما أشرنا إليه من الجمع بين القولين: من أن العقل والفطرة يدركان قبح الأفعال وحسنها قبل ورود الشرع، لكن لا يجعلونه أساسا للتكليف الذي يترتب عليه الثواب والعقاب.
إلا أن موافقة رأي السمعاني للأشاعرة في هذه المسألة، لا يدل على التزامه بكل ما التزمته الأشاعرة من لوازم هذا القول؛ فقد نفت الأشاعرة الحكمة والتعليل عن أفعال الله تعالى، وحسن الأمر والنهي عندهم في التشريعات لا يُدرك إلا بالشرع فقط، وعليه: فلا فرق عندهم بين ما أمر الله تعالى به وما نهى عنه، إلا أن هذا أمر الله تعالى وهذا نهيه؛ لأنه لا حكمة له كما يزعمون، فلو أمر الله تعالى بالزنا على مذهبهم لكان حسنا، وهذا جائز عندهم، والتزموا لذلك جواز تعذيب الطائعين وإثابة العاصين، وأنه يجوز عليه الأمر بعبادة الأصنام، وأن ذلك يكون حسنا؛ لأن مرجع التحسين إلى الشرع.