ثمَّ سَار من الْبَصْرَة يُرِيد الْكُوفَة وَقد أحصى ديوانه مائَة ألف وَنزل باخمرا على سِتَّة عشر فرسخا من الْكُوفَة، وَكَانَ الْمَنْصُور قد استدعى عِيسَى بن مُوسَى من الْحجاز فَحَضَرَ وَجعله فِي جَيش قبالة إِبْرَاهِيم، فاقتتلا قتالا انهزم فِيهِ غَالب عَسْكَر عِيسَى ثمَّ تراجعوا، ثمَّ وَقعت الْهَزِيمَة على أَصْحَاب إِبْرَاهِيم وَثَبت هُوَ فِي سِتّمائَة من أَصْحَابه، فجَاء سهم فِي حلق إِبْرَاهِيم فَتنحّى وَقَالَ: أردنَا أَمر وَأَرَادَ اللَّهِ غَيره، وَاجْتمعَ أَصْحَابه وأنزلوه فَحمل عَلَيْهِم عَسْكَر عِيسَى وفرقوهم عَنهُ واحتزوا رَأسه لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة مِنْهَا، فَبعث بِهِ عِيسَى إِلَى مَنْصُور، وَعمر إِبْرَاهِيم ثَمَان وَأَرْبَعُونَ.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة: فِيهَا: تحول الْمَنْصُور من مَدِينَة ابْن هُبَيْرَة إِلَى بَغْدَاد لتكميل عمارتها، واسشار قوما مِنْهُم خَالِد بن برمك فِي نقض إيوَان كسْرَى أَو الْمَدَائِن وَنقل ذَلِك إِلَى بَغْدَاد، فَقَالَ ابْن برمك: لَا أرى ذَلِك لِأَنَّهُ من أَعْلَام الْمُسلمين، فَقَالَ الْمَنْصُور: ملت يَا خَالِد إِلَى أَصْحَابك الْعَجم، وَأمر بِنَقْض الْقصر الْأَبْيَض فنقضت نَاحيَة مِنْهُ فَكَانَ مَا يغرمون عَلَيْهِ أَكثر من قيمَة المنقوض فَتَركه، فَقَالَ خَالِد: إِنِّي أرى أَن لَا تبطل ذَلِك لِئَلَّا يُقَال إِنَّك عجزت عَن تخريب مَا بناه غَيْرك، فَلم يلْتَفت الْمَنْصُور إِلَى ذَلِك وَترك هَدمه.
وَنقل أَبْوَاب مَدِينَة وَاسِط فَجَعلهَا على بَغْدَاد، ودور بَغْدَاد لِئَلَّا يكون بعض النَّاس أقرب إِلَى السُّلْطَان من بعض، وَبنى قصره فِي وَسطهَا وَالْجَامِع فِي جَانِبه.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة: فِيهَا: ولد الْفضل بن يحيى بن خَالِد بن برمك.
وفيهَا ولى الْمَنْصُور خَالِد بن برمك الْموصل، وَولد الْفضل قبل الرشيد بسبعة أَيَّام فأرضعته الخيزران أم الرشيد.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة: وفيهَا توفّي جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اللَّهِ عَنْهُم، سمي الصَّادِق لصدقه، وينسب إِلَيْهِ كَلَام فِي صَنْعَة الكيمياء والزجر والفأل، ولد سنة ثَمَانِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَدفن بِالبَقِيعِ، وَأمه بنت الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر رَضِي اللَّهِ عَنهُ.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى القَاضِي.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة: فِيهَا: مَاتَ مُسلم بن قُتَيْبَة الْعَظِيم الْقدر بِالريِّ.
وفيهَا: مَاتَ كهمس بن الْحسن التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ.
وفيهَا: مَاتَ عِيسَى بن عمر الثفي، وَعنهُ أَخذ الْخَلِيل النَّحْو.
ثمَّ دخلت سنة خمسين وَمِائَة: فِيهَا: بني عبد الرَّحْمَن الْأمَوِي سور قرطبة.
وفيهَا: مَاتَ جَعْفَر بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور.
وفيهَا: مَاتَ الإِمَام أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت بن زوطا مولى تيم اللَّهِ بن ثَعْلَبَة، وزوطا من أهل كابل وَقيل: بابل وَقيل: الأنبار، وَهُوَ الَّذِي مَسّه الرّقّ فَأعتق، وَولد لَهُ ثَابت على الْإِسْلَام. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي حنيفَة: مَا مسنا رق قطّ. رُوِيَ أَن وَالِد أبي