فَقَالَ بكار لأحد أَصْحَابه: سل الْمُزنِيّ شَيْئا حَتَّى أسمع كَلَامه، فَقَالَ ذَلِك الشَّخْص: يَا أَبَا إِبْرَاهِيم قد جَاءَ فِي الْأَحَادِيث تَحْرِيم النَّبِيذ وَجَاء تَحْلِيله فَلم قدمتم التَّحْرِيم على التَّحْلِيل؟ فَقَالَ الْمُزنِيّ: لم يذهب أحد إِلَى أَن النَّبِيذ كَانَ حَرَامًا فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ حلل وَوَقع الِاتِّفَاق على أَنه كَانَ حَلَالا فَهَذَا يعضد صِحَة الْأَحَادِيث بِالتَّحْرِيمِ. فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ، وَهَذَا من الْأَدِلَّة القاطعة وَكَانَ فِي غَايَة الْوَرع بلغ من احتياطه أَنه كَانَ يشرب فِي جَمِيع فُصُول السّنة فِي كوز نُحَاس، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: بَلغنِي أَنهم يستعملون السرجين فِي الكيزان وَالنَّار لَا تطهرها، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي بِمصْر يُونُس بن عبد الْأَعْلَى بن مُوسَى أحد أَصْحَاب الشَّافِعِي ومولده سنة سبعين وَمِائَة، وَكَانَ يروي للشَّافِعِيّ:
(مَا حك جِلْدك مثل ظفرك ... فتول أَنْت جَمِيع أَمرك)
(وَإِذا قصدت لحَاجَة ... فاقصد لمعترف بقدرك)
وَقَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: رضَا النَّاس غَايَة لَا تدْرك فَانْظُر مَا فِيهِ صَلَاح نَفسك فِي أَمر دينك ودنياك فالزمه. وَعبد الرَّحْمَن مؤلف تَارِيخ مصر هُوَ ولد ولد يُونُس الْمَذْكُور.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا فِيهَا دخل الزنج النعمانية وَسبوا وأحرقوها، ثمَّ سَارُوا إِلَى جرجرايا وَدخل أهل السوَاد بَغْدَاد.
وفيهَا: مَاتَ يَعْقُوب بن اللَّيْث الصفار فِي تَاسِع عشر شَوَّال بجندي سَابُور من كور الأهواز بالقولنج وَأبي الحقنة وأحضر رَسُولا جَاءَ ليستميله من الْخَلِيفَة وَجعل عِنْده سَيْفا ورغيفا من الخشكار وبصلا، وَقَالَ للرسول: قل للخليفة: إِن مت فقد استراح مني واسترحت مِنْهُ وَإِن عوفيت فَلَيْسَ بيني وَبَينه إِلَّا هَذَا السَّيْف وَإِن كسرني وأفقرني عدت إِلَى أكل هَذَا الْخبز والبصل؛ كَانَ يَعْقُوب قد افْتتح الرخج وَقتل ملكهَا وَأسلم أَهلهَا، وَكَانَ ملكهَا يجلس على سَرِير ذهب وَيَدعِي الإلهية، عمل يَعْقُوب أَولا وَصَحب رجلا من سجستان مُتَطَوعا فِي قتال الْخَوَارِج اسْمه صَالح بن نصر الْكِنَانِي، ثمَّ هلك وَتَوَلَّى مَكَانَهُ دِرْهَم بن الْحُسَيْن فصحبه يَعْقُوب أَيْضا، وَكَانَ دِرْهَم غير ضَابِط لأمور الْعَسْكَر فَاجْتمعُوا وملكوا يَعْقُوب فَلم ينازعه دِرْهَم وقوى يَعْقُوب كَمَا تقدم.
وَقَامَ بعده أَخُوهُ عمر بن اللَّيْث وَكتب إِلَى الْخَلِيفَة بِطَاعَتِهِ، فولاه الْمُوفق خُرَاسَان وأصفهان وسجستان والسند وكرمان وسير إِلَيْهِ الْخلْع مَعَ الْولَايَة.
وفيهَا: توفّي إِبْرَاهِيم بن هاني بن إِسْحَاق النَّيْسَابُورِي وَكَانَ من الأبدال.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا قتل أهل حمص عاملهم عِيسَى الكرجي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute