للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَاج بِمَكَّة ثمَّ يجمع ثَلَاثِينَ يَتِيما وَيعْمل أَجود طَعَام يُمكنهُ ويطعمهم فِي ذَلِك الْبَيْت ويكسوهم وَيُعْطِي كل وَاحِد سَبْعَة دَرَاهِم فَيكون كمن حج.

فَأمر الْوَزير بِقِرَاءَة ذَلِك قُدَّام القَاضِي أبي عَمْرو، فَقَالَ القَاضِي للحلاج: من أَيْن لَك هَذَا؟ قَالَ: من كتاب الْإِخْلَاص لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ، فَقَالَ لَهُ القَاضِي: كذبت يَا حَلَال الدَّم قد سمعناه بِمَكَّة وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا.

فَطلب الْوَزير خطّ القَاضِي بقوله: أَنْت حَلَال الدَّم فدافعه، ثمَّ ألزمهُ الْوَزير فَكتب بِإِبَاحَة دَمه وَكتب بعده من حضر الْمجْلس، فَقَالَ الحلاج: مَا يحل لكم دمي وديني الْإِسْلَام ومذهبي السّنة ولي فِيهَا كتب مَوْجُودَة فَالله اللَّهِ فِي دمي: وَأرْسل الْوَزير الْفَتَاوَى بذلك إِلَى المقتدر واستأذنه فِي قَتله فَأذن، فَضرب ألف سَوط ثمَّ قطعت يَده ثمَّ رجله ثمَّ قتل وأحرق وَنصب رَأسه بِبَغْدَاد.

قلت: يُقَال أَن أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج قَالَ عَنهُ: هَذَا رجل خَفِي عَليّ حَاله وَمَا أَقُول فِيهِ شَيْئا.

وَفِي مشكاة الْأَنْوَار للغزالي فصل طَوِيل فِي حَاله يعْتَذر فِيهِ عَمَّا صدر مِنْهُ من الْأَلْفَاظ مثل: أَنا الْحق وَمَا فِي الْجُبَّة إِلَّا اللَّهِ، وَحملهَا على محامل حَسَنَة وأولها وَقَالَ: هَذَا من شدَّة الوجد، وَجعله مثل قَول الْقَائِل.

أَنا من أَهْوى وَمن أَهْوى أَنا.

وَقَالَ السَّيِّد القطب الشَّيْخ محيي الدّين عبد الْقَادِر الجيلي رَحمَه اللَّهِ تَعَالَى: عثر الحلاج قلم يكن فِي زَمَنه من يَأْخُذ بِيَدِهِ، وَلَو كنت فِي زَمَنه لأخذت بِيَدِهِ، وَفِي كَلَام الشَّيْخ عبد الْقَادِر أَيْضا فِي الحلاج مَا يدل على أَنه ولي اللَّهِ وَأَن الْعلمَاء معذورون فِي أمره لتمسكهم بِظَاهِر الشَّرْع، وَذَلِكَ قَوْله رَضِي اللَّهِ عَنهُ فِيهِ طَار وَاحِد من العارفين إِلَى أفق الدَّعْوَى بأجنحة أَنا الْحق رأى روض الأبدية خَالِيا من الحسيس والأنيس صفر بِغَيْر لغته تعريضا لحتفه ظهر عَلَيْهِ عِقَاب الْملك من مكمن إِن اللَّهِ لَغَنِيّ عَن الْعَالمين أنشب فِي إهابه مخلب كل نفس ذائقة الْمَوْت، قَالَ لَهُ شرع سُلَيْمَان الزَّمَان لم تَكَلَّمت بِغَيْر لغتك لم ترنمت بلحن غير مَعْهُود من مثلك ادخل الْآن إِلَى قفص وجودك ارْجع من طَرِيق عزة الْقدَم إِلَى مضيق ذلة الْحَدث قل بِلِسَان اعترافك ليسمعك أَرْبَاب الدَّعَاوَى حسب الْوَاجِد إِفْرَاد الْوَاحِد منَاط الطَّرِيق إِقَامَة وظائف حُرْمَة الشَّرْع.

وَكَانَ شَيخنَا الْعَارِف عبس السرجاوي الْجَعْفَرِي نفعنا اللَّهِ ببركته يعْتَذر عَن الحلاج وَعَن الْعلمَاء الَّذين أفتوا فِيهِ بِنَحْوِ ذَلِك، وَالله أعلم.

وفيهَا: توفّي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن سهل بن عَطاء من كبار عُلَمَاء الصُّوفِيَّة ومشايخهم، وَإِبْرَاهِيم بن هَارُون الْحَرَّانِي الطَّبِيب.

ثمَّ دخلت سنة عشرَة وثلثمائة: فِيهَا توفّي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ بِبَغْدَاد،

<<  <  ج: ص:  >  >>