ومولده سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ برمل طبرستان، حَافظ للْكتاب الْعَزِيز والقراءات مُجْتَهد لم يُقَلّد أحدا فَقِيه عَارِف بأقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَله التَّارِيخ الْمَشْهُور ابْتَدَأَ فِيهِ من أول الزَّمَان إِلَى آخر سنة اثنيتين وثلثمائة وَكتاب فريد فِي التَّفْسِير وَكتب أصُول وفروع، وصنف كتابا فِيهِ اخْتِلَاف الْفُقَهَاء وَلم يذكر فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل مُحدثا، فَاشْتَدَّ ذَلِك على الْحَنَابِلَة وَكَانُوا لَا يُحصونَ كَثْرَة بِبَغْدَاد ورموه بالرفض تعصبا وتشنيعا عَلَيْهِ.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة توفّي أَبُو بكر مُحَمَّد بن السّري بن سهل النَّحْوِيّ ابْن السراج نِسْبَة إِلَى عمل السُّرُوج أحد الْأَئِمَّة الْمَشَاهِير، أَخذ عَن أبي الْعَبَّاس الْمبرد، وَأخذ عَنهُ أَبُو سعيد السيرافي وَعلي بن عِيسَى الرماني وَنقل عَنهُ الْجَوْهَرِي وَله مصنفات مَشْهُورَة، كَانَ يلثغ بالراء فيجعلها غينا.
قلت: وَمن شعره:
(ميزت بَين جمَالهَا وفعالها ... فَإِذا الملاحة بالخيانة لَا تفي)
(حَلَفت لنا أَن لَا تخون عُهُودنَا ... فَكَأَنَّهَا حَلَفت لنا أَن لَا تفي)
(وَالله لَا كلمتها وَلَو أَنَّهَا ... كالبدر أَو كَالشَّمْسِ أَو كالمكتفي)
وَبَلغت الأبيات إِلَى المكتفي فَقَالَ: لمن هِيَ؟ فَقيل: هِيَ لِعبيد اللَّهِ بن طَاهِر، فَأعْطَاهُ ألف دِينَار، فَكَانَ شعر ذَلِك سَببا لرزق هَذَا وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى عشرَة وثلثمائة: فِيهَا كبست القرامطة وأميرهم أَبُو طَاهِر سُلَيْمَان بن أبي سعيد الجباني الْبَصْرَة لَيْلًا وعلوا على سورها وَقتلُوا عاملها وَأَقَامُوا بهَا سَبْعَة عشر يَوْمًا يقتلُون ويحملون الْأَمْوَال مِنْهَا.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُحَمَّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْجريرِي - بِضَم الْجِيم. من مشاهير مَشَايِخ الصُّوفِيَّة، وَإِبْرَاهِيم بن السّري الزّجاج صَاحب كتاب مَعَاني الْقُرْآن، وَمُحَمّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ الطَّبِيب كَانَ فِي شبابه يضْرب بِالْعودِ والتحى فَقَالَ: كل غناء يخرج من بَين شَارِب ولحية لَا يستحسن، ثمَّ درس الطِّبّ والفلسفة بعد الْأَرْبَعين وَعمر وَبلغ فِي علومه الْغَايَة حَتَّى أُشير إِلَيْهِ فِي الطِّبّ، وَله الْحَاوِي نَحْو ثَلَاثِينَ مجلدا والمنصوري نَافِع صنفه لبَعض الْمُلُوك السامانية.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثلثمائة: فِيهَا أَخذ أَبُو طَاهِر القرمطي الْحَاج وَأَمْوَالهمْ وَهلك أَكْثَرهم جوعا وعطشا.
وفيهَا: قبض المقتدر على وزيره ابْن الْفُرَات، ثمَّ ذبح هُوَ وَابْنه المحسن وَعمر الْأَب إِحْدَى وَسَبْعُونَ سنة وَالِابْن ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة، واستوزر بعده الْقَاسِم الخاقاني.
وفيهَا: سَار أَبُو طَاهِر القرمطي، فَدخل الْكُوفَة بِالسَّيْفِ وَأقَام سِتَّة أَيَّام يدْخل نَهَارا