إِلَيْهِ أفتكين ويقدمه فاستولى قسام على دمشق وَكَانَ يخْطب بهَا للعزيز صَاحب مصر، فَلَمَّا وصل أَبُو ثَعْلَب إِلَى دمشق قَاتله قسام وَمنعه من دمشق فَسَار أَبُو ثَعْلَب إِلَى طبرية.
وفيهَا توفّي القَاضِي أَبُو سعيد الْحسن بن عبد اللَّهِ السيرافي شَارِح كتاب سِيبَوَيْهٍ فَاضل فَقِيه نحوي منطقي مهندس وعمره أَربع وَثَمَانُونَ سنة، وَولي بعده أَبُو مُحَمَّد مَعْرُوف الحكم بالجانب الشَّرْقِي من بَغْدَاد.
قلت: قَرَأَ السيرافي الْقُرْآن على أبي بكر بن مُجَاهِد واللغة على ابْن دُرَيْد والنحو على ابْن السراج وَكَانَ يقرىء عدَّة فنون، وَكَانَ معتزليا وَلم يظْهر مِنْهُ شَيْء نزها عفيفا يَأْكُل من نسخ يَده، وَكَانَ كثيرا مَا ينشد:
(اسكن إِلَى سكن تسر بِهِ ... ذهب الزَّمَان وَأَنت مُنْفَرد)
(ترجو غَدا وغد كحامله ... فِي الْحَيّ لَا يَدْرُونَ مَا تَلد)
وَكَانَ بَينه وَبَين أبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ صَاحب الأغاني مَا جرت الْعَادة بِهِ بَين الْفُضَلَاء من التنافس، فَقَالَ فِيهِ أَبُو الْفرج:
(لست صَدرا وَلَا قَرَأت على ... صدر وَلَا علمك البكي بشافي)
(لعن اللَّهِ كل نَحْو وَشعر ... وعروض يَجِيء من سيرافي)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنّ تسع وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا سَار أَبُو تغلب من طبرية حَسْبَمَا ذكرنَا إِلَى الرملة فِي الْمحرم مِنْهَا وَهُنَاكَ دَغْفَل بن مفرج الطَّائِي وَالْفضل بن قواد الْعَزِيز فِي عَسْكَر جهزه الْعَزِيز إِلَى الشَّام، فَسَارُوا لقِتَال أبي تغلب وَلَيْسَ مَعَه سوى سَبْعمِائة رجل من غلمانه وغلمان أَبِيه، فَانْهَزَمَ أَبُو تغلب وتبعوه وأسروه فَقتله دَغْفَل وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى الْعَزِيز بِمصْر، وَكَانَ مَعَه أُخْته جميلَة وَزَوجته بنت عَمه سيف الدولة فحملها بَنو عقيل إِلَى حلب وَبهَا ابْن سيف الدولة، فَترك أُخْته عِنْده وَأرْسل جميلَة بنت نَاصِر الدولة إِلَى بَغْدَاد فاعتقلت فِي حجرَة فِي دَار عضد الدولة.
وفيهَا: توفّي عمرَان بن شاهين صَاحب البطيحة فِي الْمحرم فَجْأَة، كَانَ من أهل الجامدة فجنى جنايات وَخَافَ من السُّلْطَان فهرب إِلَى البطيحة وَأقَام بَين الْقصب وَالْآجَام يَأْكُل من السّمك وطيور يتصيدها، فَاجْتمع إِلَيْهِ صيادون ولصوص فاستفحل أمره وَاتخذ لَهُ معاقل على التلال بالبطيحة وَغلب على تِلْكَ النواحي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلثمائة فِي أَيَّام معز الدولة، فَأرْسل معز الدولة لقتاله عسكرا مَرَّات فَلم يظفر بِهِ وَمَات معز الدولة وَعَسْكَره محاصر عمرَان، وَتَوَلَّى بختيار فَأمر بِرُجُوع الْعَسْكَر عَنهُ، ثمَّ جرت بَينهمَا حروب فَلم يظفر بختيار بِهِ.
وَلما مَاتَ عمرَان ولي مَكَانَهُ ابْنه الْحسن، فطمع فِيهِ عضد الدولة وَأرْسل إِلَيْهِ عسكرا ثمَّ صَالحه على مَال يحملهُ لعضد الدولة كل سنة.
وفيهَا: سَار عضد الدولة إِلَى بِلَاد أَخِيه فَخر الدولة عَليّ لوحشة جرت بَينهمَا، فهرب