رَضِي اللَّهِ عَنهُ سيرهم إِلَى جِهَة الشَّام وانتقلوا إِلَى مصر، ثمَّ إِلَى الْمغرب مَعَ مُوسَى بن نصير وتوجهوا مَعَ طَارق إِلَى طنجة، وأحبوا الِانْفِرَاد فَدَخَلُوا الصَّحرَاء واستوطنوها، فَلَمَّا كَانَت هَذِه السّنة توجه مِنْهُم جَوْهَر من قَبيلَة جدالة إِلَى إفريقية ليحج، فَلَمَّا عَاد استصحب مَعَه فَقِيها من القيروان اسْمه عبد اللَّهِ بن ياسين الكزولي ليعلم تِلْكَ الْقَبَائِل دين الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لم يبْق فيهم غير الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاة فِي بَعضهم.
فَتوجه عبد اللَّهِ بن ياسين مَعَ جَوْهَر حَتَّى أَتَيَا قَبيلَة لمتونة وَمِنْهَا يُوسُف بن تاشفين أَمِير الْمُسلمين ودعوهم إِلَى الْعَمَل بالشريعة، فَقَالَت لمتونة: أما الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالزَّكَاة فقريب وَأما قتل الْقَاتِل وَقطع السَّارِق ورجم الزَّانِي فَلَا نلتزمه.
فَمضى جَوْهَر وَعبد اللَّهِ بن ياسين إِلَى جدالة قَبيلَة جَوْهَر فَدَعَاهُمْ عبد اللَّهِ بن ياسين ودعا الْقَبَائِل حَولهمْ إِلَى الشَّرِيعَة فَأجَاب أَكْثَرهم وَامْتنع أقلهم، فَأمر المجيبين بِقِتَال الْمُخَالفين فجعلوه أَمِيرهمْ فَامْتنعَ وَقَالَ لجوهر: أَنْت الْأَمِير، فَقَالَ أخْشَى من تسلط قبيلتي على النَّاس فَيكون وزر ذَلِك عَليّ، ثمَّ اتفقَا على أبي بكر بن عمر رَأس قَبيلَة لمتونة فَإِنَّهُ مُطَاع، فعرضا على أبي بكر ذَلِك فَقبل وَعقد الْبيعَة وَسَماهُ ابْن ياسين أَمِير الْمُسلمين وَاجْتمعَ إِلَيْهِ كل من حسن إِسْلَامه، وحرضهم عبد اللَّهِ على الْجِهَاد وَسَمَّاهُمْ المرابطين، فَقتلُوا من أهل الْبَغي وَالْفساد وَمِمَّنْ لم يجب إِلَى الشَّرِيعَة نَحْو أَلفَيْنِ، فدانت لَهُم قبائل الصَّحرَاء وقووا وتفقه مِنْهُم جمَاعَة على عبد اللَّهِ.
وَلما ملك أَبُو بكر بن عمر سجلماسة اسْتعْمل عَلَيْهَا يُوسُف بن تاشفين اللمتوني من بني عَم أبي بكر بن عمر سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة، ثمَّ اسْتخْلف أَبُو بكر على سجلماسة ابْن أَخِيه، وَبعث يُوسُف بن تاشفين بِجَيْش من المرابطين إِلَى السوس فَفتح على يَدَيْهِ وَكَانَ دينا حازما داهية.
وَاسْتمرّ الْأَمر كَذَلِك إِلَى ان توفّي أَبُو بكر بن عمر سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فاجتمعت طوائف المرابطين وملكوا يُوسُف بن تاشفين عَلَيْهِم ولقبوه أَمِير الْمُسلمين، ثمَّ افْتتح الْمغرب حصنا حصنا وَكَانَ غالبها لزناتة، ثمَّ قصد مَوضِع مراكش وَهُوَ قاع صفصف فَبنى فِيهِ مراكش واتخذها مقرّ ملكه، وَملك الْبِلَاد الْمُتَّصِلَة بالمجاز مثل سبته وطنجة وسلا.