وفيهَا: رَحل طغرلبك عَن بَغْدَاد فِي عَاشر ذِي الْقعدَة لثقل وَطْأَة عسكره على الرّعية، أَقَامَ بِبَغْدَاد ثَلَاثَة عشر شهرا وأياما لم يلق الْخَلِيفَة فِيهَا، وَتوجه طغرلبك إِلَى نَصِيبين ثمَّ إِلَى ديار بكر وَهِي لِابْنِ مَرْوَان.
وفيهَا: توفّي أميرك الْبَيْهَقِيّ الْكَاتِب وَكَانَ من رجال الدُّنْيَا.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا عَاد طغرلبك إِلَى بَغْدَاد بعد أَن استولى على الْموصل وأعمالها وَسلمهَا إِلَى اخيه إِبْرَاهِيم نيال، وَلما قَارب طغرلبك القفص تَلقاهُ كبراء بَغْدَاد مثل عميد الْملك وزيره بهَا وَرَئِيس الرؤساء وَقصد الِاجْتِمَاع بالخليفة الْقَائِم، فَجَلَسَ لَهُ الْخَلِيفَة وَعَلِيهِ الْبردَة على سَرِير عَال من الأَرْض نَحْو سَبْعَة أَذْرع وَحضر طغرلبك فِي جماعته وَحضر أَعْيَان بَغْدَاد وكبراء الْعَسْكَر وَذَلِكَ يَوْم السبت لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة مِنْهَا، فَقبل طغرلبك الأَرْض وَيَد الْخَلِيفَة ثمَّ جلس على كرْسِي، ثمَّ قَالَ لَهُ الْخَلِيفَة مَعَ رَئِيس الرؤساء: أَن الْخَلِيفَة قد ولاك جَمِيع مَا ولاه اللَّهِ تَعَالَى من بِلَاده، ورد إِلَيْك مُرَاعَاة عبَادَة، فَاتق اللَّهِ فِيمَا ولاك، واعرف نعْمَته عَلَيْك. وخلع على طغرلبك وَأعْطى الْعَهْد، فَقبل الأَرْض وَيَد الْخَلِيفَة ثَانِيًا وَانْصَرف فَبعث إِلَى الْخَلِيفَة خمسين ألف دِينَار وَخمسين مَمْلُوكا من الأتراك بخيولهم وسلاحهم وقماشهم.
وفيهَا: قبض الْمُسْتَنْصر بِمصْر على وزيره اليازرودي الْحُسَيْن بن عبد اللَّهِ وَكَانَ قَاضِيا فِي الرملة حنفيا ثمَّ ولي الوزارة، وَلما قبض وجد لَهُ مكاتبات إِلَى بَغْدَاد.
وفيهَا توفّي الشَّيْخ أَبُو الْعَلَاء أَحْمد بن عبد اللَّهِ بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن المطهر بن زِيَاد بن ربيعَة بن الْحَارِث بن ربيعَة بن أنور بن أسحم بن أَرقم بن النُّعْمَان بن عدي بن غطفان بن عَمْرو بن شُرَيْح بن جذيمة بن تيم اللَّهِ بن أَسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة المعري التنوخي، قَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه: كَانَ عَلامَة عصره رَحمَه اللَّهِ قَرَأَ النَّحْو واللغة على أَبِيه بالمعرة وعَلى مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن سعد النَّحْوِيّ بحلب وَله التصانيف الْمَشْهُورَة والرسائل المأثورة وَله من النّظم لُزُوم مَا لَا يلْزم خمس مجلدات وَسقط الزند وَشَرحه بِنَفسِهِ وَسَماهُ ضوء السقط، وبلغنا أَن لَهُ كتابا سَمَّاهُ الأيك والغصون وَهُوَ الْمَعْرُوف بِالْهَمْزَةِ والردف يُقَارب مائَة جُزْء فِي الْأَدَب.
قَالَ ابْن خلكان: وَحكى لي من وقف على المجلد الأول بعد الْمِائَة من كتاب الْهمزَة والردف وَقَالَ: لَا أعلم مَا كَانَ يعوزه بعد هَذَا، وَكَانَ متضلعا من فنون الْأَدَب وَأخذ عَنهُ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن المحسن التنوخي والخطيب أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى التبريزي وَغَيرهمَا.
وَكَانَت وِلَادَته يَوْم الْجُمُعَة عِنْد مغيب الشَّمْس لثلاث بَقينَ من ربيع الأول سنة ثَلَاث