التأمير الَّذِي مَاتَ المتنبي بحسرته ورحل إِلَى كافور بِسَبَبِهِ، وَتُوفِّي الْأَمِير أَبُو الْفَتْح بسروج منتصف شعْبَان سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا ملك مَحْمُود بن نصر بن صَالح بن مرداس حلب كَمَا مر.
قلت: وَفِي مَحْمُود هَذَا يَقُول ابْن أبي حَصِينَة من قصيدة:
(كفي ملامك فالتبريح يَكْفِينِي ... أَو جربي بعض ماألقي ولوميني)
(برمل يبرين أَصْبَحْتُم فَهَل علمت ... رمال يبرين أَن الشوق يبرين)
(أَهْوى الحسان وَخَوف الله يردعني ... عَن الْهوى والعيون النجل تغويني)
(مَا بَال أَسمَاء تلويني مواعدها ... أكل ذَات جمال ذَات تلوين)
(كَانَ الشَّبَاب إِلَى هِنْد يقربنِي ... وشاب رَأْسِي فَصَارَ الْيَوْم يقصيني)
(يَا هِنْد أَن سَواد الرَّأْس يصلح ... للدنيا وَأَن بَيَاض الرَّأْس للدّين)
(لست امْرَءًا غيبَة الْأَحْرَار من شيمي ... وَلَا النميمة من طبعي وَلَا ديني)
(دَعْنِي وحيداً أعاني الْعَيْش منفرداُ ... فبعض معرفتي فِي النَّاس تكفيني)
(مَا ضرني ودفاع الله يعصمني ... من بَات يهدمني وَالله يبنيني)
(وَمَا أُبَالِي وَصرف الدَّهْر يسخطني ... وسيب نعماك يَا ابْن السَّيْل يرضيني)
(أَبَا سَلامَة عش واسلم حَلِيف على ... وسؤدد بشعاع النَّجْم مقرون)
(أَشْقَى عداكم وأهوى أَن أدين لكم ... وللعدا دينهم فِيكُم ولي ديني)
وَالله أعلم.
وفيهَا: توفيت وَالِدَة الْقَائِم بِاللَّه الأرمنية الأَصْل، وَاسْمهَا قطر الندى.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاثَة وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا توفّي الْمعز بن باديس صَاحب إفريقية بِضعْف الكبد وَمُدَّة ملكه سبع وَأَرْبَعُونَ سنة، كَانَ عمره لما ملك إِحْدَى عشرَة سنة وَقيل: ثَمَان وَملك بعده ابْنه تَمِيم.
وفيهَا: توفّي قُرَيْش بن بدران بن الْمُقَلّد بن الْمسيب صَاحب الْموصل ونصيبين بنصيبين، وَقَامَ بعده ابْنه شرف الدولة أَبُو المكارم مُسلم.
وفيهَا: توفّي نصر الدولة أَبُو نصر أَحْمد بن مَرْوَان الْكرْدِي صَاحب ديار بكر وعمره نَيف وَثَمَانُونَ وإمارته اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ سنة، وتنعم بِمَا لم يسمع بِمثلِهِ اشْترى بعض مغنياته بِخَمْسَة آلَاف دِينَار وَملك خَمْسمِائَة سَرِيَّة وتوابعهن وَخَمْسمِائة خَادِم وآلات مجْلِس يزِيد على مِائَتي ألف دِينَار وَعلم طباخيه بِمصْر، ووزر لَهُ أَبُو الْقَاسِم المغربي وفخر الدولة بن جهير، وقصده الشُّعَرَاء وَالْعُلَمَاء، وَملك بعده ابْنه نصر ميافارقين وَابْنه الآخر سعيد آمد.
وفيهَا: توفّي شكر الْعلوِي الْحُسَيْنِي أَمِير مَكَّة، وَمن شعره الْحسن قَوْله: