(فَاشْرَبْ على وَجه الحبيب ... ووجنتيه وَحسن خَدّه)
وَكَانَ مستجاب الدعْوَة مطرح التَّكَلُّف، وَلما توجه رَسُولا من الْخَلِيفَة إِلَى خُرَاسَان قَالَ: مَا دخلت بَلْدَة وَلَا قَرْيَة إِلَّا وخطيبها وقاضيها تلميذي وَمن جملَة أَصْحَابِي.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا سَار فَخر الدولة بن جهير بعساكر ملكشاه إِلَى قتال شرف الدولة مُسلم بن قُرَيْش، ثمَّ سير السُّلْطَان ملكشاه إِلَى فَخر الدولة جَيْشًا آخر فيهم الْأَمِير ارتق بن أكسك وَقيل: أكسب وَالْأول أصح، جد الْمُلُوك الأرتقية، فَانْهَزَمَ شرف الدولة وانحصر فِي آمد وَنزل أرتق على آمد فحصرها، وبذل لَهُ مُسلم بن قُرَيْش مَالا جَلِيلًا ليمكنه من الْخُرُوج من آمد، فَأذن لَهُ ارتق وَخرج مُسلم مِنْهَا فِي حادي عشر ربيع الأول من هَذِه السّنة فنازل الرقة وَبعث إِلَى السُّلْطَان مَا وعده بِهِ.
ثمَّ سير السُّلْطَان عميد الدولة بن فَخر الدولة بن جهير بعسكر كثيف وسير مَعَه أقسنقر قسيم الدولة إِلَى الْموصل فاستولى عَلَيْهَا عميد الدولة، وأقسنقر هَذَا هُوَ وَالِد عماد الدّين زنكي، ثمَّ أرسل مؤيد الدولة بن نظام الْملك إِلَى شرف الدولة بالعهود يستدعيه إِلَى السُّلْطَان، فَقدم شرف الدولة إِلَيْهِ وأحضره عِنْد السُّلْطَان بالبوازيج وَكَانَ قد ذهب أَمْوَاله فاقترض شرف الدولة مُسلم مَا خدم بِهِ السُّلْطَان وَقدم إِلَيْهِ خيلاً مِنْهَا. فرسه الَّذِي نجا عَلَيْهِ فِي المعركة الْمَشْهُور الْمُسَمّى بشاراً، وسابق بِهِ السُّلْطَان الْخَيل فجَاء سَابِقًا فَقَامَ السُّلْطَان إعجاباً بِهِ ورضى على مُسلم وخلع عَلَيْهِ وَأقرهُ على بِلَاده.