وفيهَا حضر شرف الدولة مُسلم بن قُرَيْش الْمسَيبِي صَاحب الْموصل حلب فتسلمها فِي سنة ثَلَاث وَسبعين، ثمَّ حصر القلعة وتسلمها وَأنزل مِنْهَا سَابِقًا ووثاباً ابْني مَحْمُود بن نصر بن صَالح.
وفيهَا توفّي نصر بن أَحْمد بن مَرْوَان صَاحب ديار بكر، وَملك بعده ابْنه مَنْصُور وَدبره ابْن الْأَنْبَارِي.
وفيهَا: توفّي أَبُو الفتيان مُحَمَّد بن سُلْطَان بن حيوس الشَّاعِر وَتقدم ذكره.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبع وَسبعين وَسنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا كَانَت فتْنَة بِبَغْدَاد بن الشَّافِعِيَّة والحنابلة.
وفيهَا: أرسل الْمُقْتَدِي صَاحب التَّنْبِيه إِلَى السُّلْطَان ملكشاه وَإِلَى نظام الْملك شاكياً من عميد الْعرَاق أبي الْفَتْح بن أبي اللَّيْث، فَأكْرم السُّلْطَان ونظام الْملك الشَّيْخ بخراسان وناظر بِحَضْرَة نظام الْملك إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَعَاد بإجابة الْخَلِيفَة وَرفع يَد ابْن العميد عَمَّا يتَعَلَّق بحاشية الْخَلِيفَة.
قلت: وَفِي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة لَيْلَة الْخَمِيس بَين العشاءين توفّي أَبُو الْوَلِيد سُلَيْمَان بن خلف بن سعد بن أَيُّوب بن وَارِث الْيحصبِي الْمَالِكِي الأندلسي، ومولده يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من ذِي الْقعدَة من سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة بِمَدِينَة بطليوس، وَدفن بالمرية بالرباط على صفة الْبَحْر وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو الْقَاسِم كَانَ رَحمَه الله من عُلَمَاء الأندلس وحفاظها سكن شَرْقي الأندلس ورحل إِلَى الشرق سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَنَحْوهَا فَأَقَامَ بِمَكَّة شرفها الله مَعَ أبي ذَر الْهَرَوِيّ ثَلَاثَة أَعْوَام وَحج.
ثمَّ رَحل إِلَى بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا ثَلَاثَة أَعْوَام يدرس الْفِقْه وَيقْرَأ الحَدِيث وَلَقي بهَا سَادَات من الْعلمَاء كَأبي الطّيب الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأقَام بالموصل مَعَ أبي جَعْفَر الشَّيْبَانِيّ يدرس عَلَيْهِ الْفِقْه، وَكَانَ مقَامه بالمشرق نَحْو ثَلَاثَة عشر عَاما وروى عَن الْحَافِظ أبي بكر الْخَطِيب، وروى الْخَطِيب عَنهُ قَالَ: أَنْشدني أَبُو الْوَلِيد التاجي لنَفسِهِ:
(إِذا كنت أعلم علما يَقِينا ... بِأَن جَمِيع حَياتِي كساعه)
(فَلم لَا أكون ضنيناً بهَا ... فأجعلها فِي صَلَاح وطاعه)
صنف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا: كتاب المقتفي وَكتاب أَحْكَام الْفُصُول فِي أَحْكَام الْأُصُول وَكتاب التَّعْدِيل وَالْجرْح فِيمَن روى عَنهُ البُخَارِيّ رَحمَه الله وَغير ذَلِك، وَهُوَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وَكَانَ يَقُول: سَمِعت أَبَا ذَر عمر بن أَحْمد الْهَرَوِيّ يَقُول: لَو صحت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة، وَكَانَ قد رَجَعَ إِلَى الأندلس وَولي الْقَضَاء هُنَاكَ، وَقيل أَنه ولي قَضَاء حلب، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي أَبُو نصر عَليّ بن الْوَزير أبي الْقَاسِم هبة الله بن مَاكُولَا مُصَنف الْإِكْمَال ومولده سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة، قَتله مماليك الأتراك بكرمان.