التركمان فصانعهم على مَال كثير فَأَجَابُوهُ إِلَى إِطْلَاقه إِذا أحضر المَال، فَبلغ الْخَبَر ابْن الداية نَائِب حلب فسير عسكراً فكبسول التركمان وأحضروه إِلَى نور الدّين فَرَآهُ من أعظم الْفتُوح، وَأُصِيب بِهِ دين الصَّلِيب كَافَّة.
قلت:
(لهجوا سِنِين بجوسلين فَإِنَّهُ ... قد كَانَ علجاً عَالِيا فِي كفره)
(مَا وَحده أسروه إِذا أسروه بل ... أَسرُّوا الصَّلِيب بأسره فِي أسره)
وَالله أعلم.
ثمَّ سَار نور الدّين بعد أسره وَملك قلاعه وبلاده وَهِي تل بَاشر وعينتاب ودلوك وعزاز وتل خَالِد وقورس الراوندان وبرج الرصاص وحصن البارة وَكفر سود وَكفر لاثا ومرعش ونهر الْجَوْز فِي مُدَّة يسيرَة، وَبَقِي كلما فتح موضعا حصنه رجَالًا وذخائر.
قلت: وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو الْحُسَيْن بن مُنِير لنُور الدّين:
(طلعت عَلَيْك بجوسلين ذَرِيعَة ... لَا سحل أَنْشَأَهَا وَلَا امرار)
(مَا زلت تنعم ثمَّ يكفر عاتياً ... وَالله يهدم مَا بنى الْكفَّار)
(حَتَّى أتاح لِقَوْمِهِ مَا جَرّه ... لثمود من عقر الفصيل قدار)
وبذل جوسلين لنُور الدّين فِي فدائه أَمْوَالًا لَا تحصى فَاسْتَشَارَ أمراءه فَلم يوافقوا على إِطْلَاقه فخالفهم وتسلم المَال واطلقه فَمَاتَ قبل أَن يخرج من الشَّام وانتفع الْمُسلمُونَ بِالْمَالِ وعد ذَلِك من كرامات نور الدّين، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا ملك عبد الْمُؤمن بجاية وَأخذ من يحيى بن الْعَزِيز آخر مُلُوك بني حَمَّاد جَمِيع ممالكهم، وَكَانَ يحيى مُولَعا بالصيد وَاللَّهْو فَانْهَزَمَ وتحصن بقلعة قسطنطينة من بِلَاد بجاية، ثمَّ أَمنه عبد الْمُؤمن وأرسله إِلَى بِلَاد الْمغرب وأجرى عَلَيْهِ شَيْئا كثيرا.
وَقد ذكرنَا فِي تَارِيخ القيروان: أَن ملك عبد الْمُؤمن تونس وإفريقية سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة.
وفيهَا: فِي أول رَجَب توفّي السُّلْطَان مَسْعُود بهمذان ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة فِي ذِي الْقعدَة، وَمَات مَعَه سَعَادَة الْبَيْت السلجوقي كَانَ مزاحا كَرِيمًا عفيفاً، وعهد إِلَى ابْن أَخِيه ملك شاه بن مَحْمُود فَخَطب لَهُ، وَكَانَ المتغلب على المملكة الْأَمِير خَاص بك، أَصله تركماني ثمَّ قبض هَذَا على ملك شاه وسجنه وأحضر أَخَاهُ مُحَمَّد بن مَحْمُود من خوزستان، فَتَوَلّى وَجلسَ على السرير، وَنوى خَاص بك إِمْسَاكه وَالْخطْبَة لنَفسِهِ فبدره مُحَمَّد ثَانِي يَوْم صوله فَقتله وَقتل زنكي الخزينة دَار وَألقى برأسيهما فَتفرق أصحابهما.
وفيهَا: جمعت الفرنج وقاتلت نور الدّين وَهُوَ محاصر دلوك فَعظم الْقِتَال وَانْهَزَمَ الفرنج وَقتل فيهم وَأسر ثمَّ ملك دلوك.