(عجبت لشيزر إِذْ زلزلت ... فَمَا لبني منقذ منقذ)
وَقد أذكرني هَذَا شَيْئا وَهُوَ أَن القَاضِي فَخر الدّين عُثْمَان بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ قَاضِي الْقُضَاة بحلب، كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى ولاني الحكم بشيرز فَلَمَّا دَخَلتهَا صرعتني بِزَفْرَةٍ هوائها، وَأرْسلت إِلَى الوخم على فَتْرَة من مَائِهَا، وزارتني الْحمى غبا حَتَّى ازددت للْمَوْت حبا، فَكتبت إِلَيْهِ عاتباً عَلَيْهِ:
(أَبَا باعثي أَقْْضِي بشيزر مَا الَّذِي ... أردْت قضي أشغالهم أم قضي نحبي)
(حكيت بهَا الناعور حَالا لأنني ... بَكَيْت عَليّ جسمي وَردت على قلبِي)
وكتبت إِلَى ابْنه كَمَال الدّين مُحَمَّد:
(قيل لي شيزر نَار ... وَبهَا القَاضِي مخلد)
(قلت لَا أمكث فِيهَا ... أَنا من حزب مُحَمَّد)
فَلَمَّا وقف على ذَلِك أعفاني مِنْهَا وَالله أعلم.
وفيهَا: فِي ريبع الآخر توفّي السُّلْطَان سنجر السلجوقي بالقولنج ثمَّ الإسهال، كَانَ مهيباً كَرِيمًا، وَلما وصل خَبره إِلَى بَغْدَاد قطعت خطبَته واستخلف سنجر على خُرَاسَان الْملك مَحْمُود بن مُحَمَّد بن بغداخان ابْن أُخْت سنجر فَأَقَامَ خَائفًا من الغز.
وفيهَا: استولى أَبُو سعيد عبد الْمُؤمن على غرناطة من الملثمين وانقرضت دولة الملثمين وَلم تبْق لَهُم غير جَزِيرَة ميورقة، ثمَّ فتح أَبُو سعيد المرية من الفرنج بعد ملكهم لَهَا عشر سِنِين.
وفيهَا: أَخذ نور الدّين بعلبك من ضحاك البقاعي، ولاه إِيَّاهَا صَاحب دمشق.
وفيهَا: قلع الْخَلِيفَة المقتفي بَاب الْكَعْبَة وَعمل عوضه بَابا مصفحاً بِالْفِضَّةِ المذهبة، وَعمل لنَفسِهِ من الْبَاب تابوتاً يدْفن فِيهِ.
وفيهَا: مَاتَ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد الخجندي رَئِيس الشَّافِعِيَّة بأصبهان مقدم عِنْد السلاطين.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة: فِيهَا قصد ملك شاه بن مَحْمُود السلجوقي قُم وقاشان ونهبهما، وَكَانَ أَخُوهُ السُّلْطَان مُحَمَّد بعد رحيله عَن حِصَار بَغْدَاد قد مرض طَويلا فَأرْسل إِلَى أَخِيه ملك شاه أَن يكف عَن النهب، ويجعله ولي عَهده فَلم يقبل ملك شاه ذَلِك، ثمَّ سَار ملك شاه إِلَى خوزستان وَأَخذهَا من صَاحبهَا شملة التركماني.
وفيهَا: توفّي بميافارقين معِين الدّين أَبُو الْفضل يحيى بن سَلامَة بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْخَطِيب الحصكفي، ومولده بطنزة.
وَمن شعره:
(وخليع بت أعذله ... وَيرى عذلي من الْعَبَث)