تَسْلِيم الْإسْكَنْدَريَّة إِلَيْهِم ويحملون لَهُ مَالا فَعَاد عَنْهُم واصطلح الفرنج والمصريون على شحنة للفرنج بِالْقَاهِرَةِ، وَتَكون أَبْوَابهَا بيد فرسانهم، وَلَهُم من دخل مصر كل سنة مائَة ألف دِينَار.
وفيهَا: فتح نور الدّين صافيتا والعريمة.
وفيهَا: عصى غَازِي بن حسان صَاحب منبج على نور الدّين فسير إِلَيْهِ عسكراً فحصروه وَأخذ مِنْهُ منبج وأقطعها لقطب الدّين نيال أخي غَازِي الْمَذْكُور، إِلَى أَن أَخذهَا مِنْهُ صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة.
وفيهَا: توفّي فَخر الدّين قرا أرسلان بن دَاوُد بن سقمان بن أرتق صَاحب حصن كيفا، وَملك بعده ابْنه نور الدّين مَحْمُود.
قلت: وفيهَا تَقْرِيبًا توفّي الشَّيْخ ماجد الْكرْدِي بجبل حمرين من الْعرَاق، وَكَانَت لَهُ كرامات ظَاهِرَة وأحوال فاخرة، تخرج بِصُحْبَتِهِ أَعْيَان، وَقصد من كل أفق وَمَكَان.
وَمن كَلَامه: الصمت عبَادَة من غير عناء، وزينة من غير حلي وهيبة من غير سُلْطَان وحصن من غير سور، وراحة الْكَاتِبين، وغنية من الِاعْتِذَار وَكفى بِالْمَرْءِ علما أَن يخْشَى الله تَعَالَى، وَكفى بِهِ جهلا أَن يعجب بِنَفسِهِ، وَالْعجب فضل حمق يُغطي بِهِ صَاحبه عُيُوب نَفسه، فَلم يدر أَيْن يذهب بِهِ فَصَرفهُ إِلَى الْكبر وَمَا خلق الله سُبْحَانَهُ من عَجِيبَة إِلَّا ونقشها فِي صُورَة الْآدَمِيّ، وَلَا أوجد أمرا غَرِيبا إِلَّا وسلكه فِيهَا، وَلَا أبرز سرا إِلَّا وَجعل فِيهِ مِفْتَاح علمه، فَهُوَ نُسْخَة مختصرة من الْعَالم.
وَعَن الشَّيْخ ذِي الكرامات مَكَارِم القوساني ذِي الشُّهْرَة الْعَظِيمَة بقوسان، قَالَ: جَاءَ رجل من أَصْحَابنَا إِلَى الشَّيْخ ماجد الْكرْدِي مودعاً حَاجا فِي غير أشهر الْحَج على قدم التَّجْرِيد بِلَا زَاد وَلَا رَفِيق، فَأخْرج لَهُ الشَّيْخ ماجد ركوته وَقَالَ: هَذَا مَاء إِن أردْت الْوضُوء وَلبن إِن عطشت وَسَوِيق إِن جعت، فَوجدَ مِنْهَا الرجل كل مَا قَالَه الشَّيْخ سفرا وَإِقَامَة بالحجاز ورجوعاً إِلَى الْعرَاق، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا فَارق زين الدّين عَليّ كجك بن بكتكين نَائِب مودود بن زنكي مخدومه، وَاسْتقر فِي أربل إقطاعه وَاقْتصر عَلَيْهَا لعماه وطرشه.
وفيهَا: توفّي عبد الْكَرِيم أَبُو سعد مُحَمَّد بن الْمَنْصُور بن أبي بكر المظفر السَّمْعَانِيّ الْفَقِيه الْمروزِي الشَّافِعِي مكثر من سَماع الحَدِيث، سَافر فِي طلبه إِلَى بِلَاد يطول ذكرهَا، تزيد شُيُوخه على أَرْبَعَة آلَاف، وَله كتاب الْأَنْسَاب ثَمَانِيَة مجلدات، وذيل تَارِيخ مرو.
وَكَانَ ابْن الْجَوْزِيّ يَقُول: إِنَّه كَانَ يَأْخُذ الشَّيْخ بِبَغْدَاد ويغربه إِلَى مَا فَوق نهر عِيسَى، وَيَقُول: حَدثنِي فلَان بِمَا وَرَاء النَّهر وَهَذَا بَارِد فَأَي حَاجَة للسمعاني إِلَى هَذَا التَّدْلِيس، وَقد سَافر إِلَى مَا وَرَاء النَّهر وذنبه عِنْد ابْن الْجَوْزِيّ أَنه شَافِعِيّ، فَابْن الْجَوْزِيّ لم يبْق على أحد غير الْحَنَابِلَة.