ومولده السَّمْعَانِيّ فِي شعْبَان سنة سِتّ وَخَمْسمِائة، وَهُوَ إِمَام ابْن إِمَام ابْن إِمَام أَبُو إِمَام، فَإِن ابْنه أَبَا المظفر عبد الرَّحِيم كَانَ رحْلَة أَيْضا، ونسبته أَيْضا إِلَى سمْعَان بطن من تَمِيم.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة: فِيهَا ملك نور الدّين قلعة جعبر من صَاحبهَا شهَاب الدّين مَالك بن عَليّ بن مَالك بن سَالم بن مَالك بن بدران بن الْمُقَلّد بن الْمسيب الْعقيلِيّ، كَانَت بِأَيْدِيهِم من أَيَّام السُّلْطَان ملك شاه وَلم يقدر نور الدّين عَلَيْهَا إِلَّا بعد أَن أسرت بَنو كلاب صَاحبهَا فَاسْتَحْضرهُ واجتهد بِهِ على تَسْلِيمهَا فَأبى فَأرْسل عَسْكَر مقدمه فَخر الدّين مَسْعُود بن أبي عَليّ الزَّعْفَرَانِي وَردفهُ بعسكر مقدمه مجد الدّين أبي بكر بن الداية رَضِيع نور الدّين وحصروها فَمَا نالوها وَفِي الآخر عوضه عَنْهَا سروج وأعمالها والملوحة وَعشْرين ألف دِينَار مُعجلَة، وناب فِي بزاعة وتسلمها.
قلت: وفيهَا توفّي الشَّيْخ عَليّ بن الهيتي ببلدة زريدان من أَعمال نهر الْملك وَقد زَاد على مائَة وَعشْرين سنة وقبره بهَا يزار.
وَكَانَت لَهُ كرامات ظَاهِرَة وأفعال خارقة، وَهُوَ أحد من تذكر عَنهُ القطبية وَأحد الْأَرْبَعَة الَّذين تسميهم مَشَايِخ الْعرَاق البروة على معنى أَنهم يبرؤن الأكمة والأبرص وهم الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلي، وَالشَّيْخ عَليّ بن الهيتي، وَالشَّيْخ بَقَاء بن بطو، وَالشَّيْخ أَبُو سعد القليوبي.
وَكَانَ قد اعترى الصمم الشَّيْخ مُحَمَّد الْخياط الْوَاعِظ الْبَغْدَادِيّ وَجرى ذكر البروة فَقَالَ: اللَّهُمَّ بحرمتهم عاف سَمْعِي فَزَالَ صممه فِي الْحَال، قَالَ أَبُو الْفرج الصرصري وَأَنا رَأَيْته أَصمّ، ورأيته يسمع التناجي، وألبس أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَبَا بكر بن هوار فِي الْيَوْم خرقتين ثوبا وطاقية، فَاسْتَيْقَظَ فوجدهما عَلَيْهِ وأعطاهما لمريده الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الشنبكي وأعطاهما الشنبكي لمريده تَاج العارفين أبي الْوَفَاء وأعطاهما تَاج العارفين لمريده الشَّيْخ عَليّ بن الهيتي وأعطاهما ابْن الهيتي لمريده الشَّيْخ عَليّ بن إِدْرِيس، ثمَّ فقدتا من بعده، وَابْن الهيتي الَّذِي أَتَاهُ الْخطاب يَا ملكي تصرف فِي ملكي.
وَقَالَ عبد الْقَادِر: كل من دخل بَغْدَاد من الْأَوْلِيَاء من عَالم الْغَيْب، أَو الشَّهَادَة، فَهُوَ فِي ضيافتنا وَنحن فِي ضِيَافَة الشَّيْخ عَليّ بن الهيتي، وَكَانَ يتَمَثَّل بِهَذِهِ الأبيات:
(إِن رحت أطلبه لَا يَنْقَضِي سَفَرِي ... أَو جِئْت أحضرهُ أوحشت فِي الْحَضَر)
(فَمَا أرَاهُ وَلَا يَنْفَكّ عَن نَظَرِي ... وَفِي ضميري وَلَا أَلْقَاهُ فِي عمري)
(فليتني غبت عَن جسمي بِرُؤْيَتِهِ ... وَعَن فُؤَادِي وَعَن سَمْعِي وَعَن بَصرِي)
وَفِي بهجة الْأَسْرَار أَنه قَالَ: لَو دنت نملة دهماء فِي لَيْلَة ظلماء على صَخْرَة سَوْدَاء من جبل قَاف وَلم يعلمني بهَا رَبِّي مِنْهُ إِلَيّ بِلَا وَاسِطَة، ويطلعني عَلَيْهَا عيَانًا لتفطرت مرارتي.
وَركب مرّة دَابَّته وأتى بَلْدَة من أَعمال نهر الْملك وَنزل عِنْد رجل فاحتفل بِهِ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: إذبح هَذِه الدَّجَاجَة وَهَذِه وَهَذِه فَفعل فَخرج من بطونها حبات ذهب، وَكَانَت أُخْته