الْمسير إِلَى الْمَدِينَة حرسها الله تَعَالَى فَأَغَارَ مرخشاه على بِلَاده وَأقَام مُقَابِله فَفرق الْبُرْنُس جموعه وثنى عزمه.
قلت:
(قصد الْبُرْنُس مكيدة عظمت ... فانحاز عَنْهَا خاسراً خاسى)
(أيخاف خير الْخلق من أحد ... وَالله يعصمه من النَّاس)
وَالله أعلم.
وفيهَا: استولى عَسْكَر صَلَاح الدّين على الْيمن لاخْتِلَاف نائبي توران شاه فِيهِ بعد مَوته، وهما عز الدّين عُثْمَان بن الزنجبيلي بعدن، وحطان بن كَامِل بن منقذ بزبيد.
وفيهَا: فِي رَجَب توفّي الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين مَحْمُود بن زنكي صَاحب حلب، وعمره نَحْو تسع عشرَة سنة بالقولنج وصف لَهُ الْخمر فَمَاتَ وَلم يَسْتَعْمِلهُ وَلم يعرف لَهُ شَيْء مِمَّا يتعاطاه الشبَّان.
وَكَانَ حَلِيمًا عفيف الْفرج وَالْيَد وَاللِّسَان، ملازماً لأمور الدّين وَأوصى بِملك حلب إِلَى ابْن عَمه عز الدّين مَسْعُود بن مودود بن زنكي صَاحب الْموصل فَسَار إِلَيْهَا بعد موت الصَّالح وَمَعَهُ قيماز، وَاسْتقر فِي ملكهَا، فكاتبه أَخُوهُ زنكي صَاحب سنجار أَن يُعْطِيهِ حلب وَيَأْخُذ سنجار، وَأَشَارَ قيماز بذلك، فَأجَاب وَعَاد مَسْعُود إِلَى الْموصل.
وفيهَا: فِي شعْبَان توفّي أَبُو البركات عِنْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي سعد النَّحْوِيّ بن الْأَنْبَارِي.
لَهُ فِي النَّحْو تصانيف حَسَنَة، كَانَ فَقِيها.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة: فِيهَا فِي خَامِس الْمحرم قصد صَلَاح الدّين الشَّام، وَخرج الْأَعْيَان لوداعه، وَقَالَ: كل فِي فِرَاقه شَيْئا، فَأَنْشد معلم لبَعض أَوْلَاده:
(تمتّع من شميم عرار نجد ... فَمَا بعد العشية من عرار)
فتطير السُّلْطَان وتنكد الْحَاضِرُونَ فَلم يعد صَلَاح الدّين إِلَى مصر مَعَ طول الْمدَّة، وأغار صَلَاح الدّين فِي طَرِيقه على الفرنج وغنم وَوصل دمشق فِي حادي عشر صفر وَاجْتمعَ الفرنج قرب الكرك ليكونوا على طَرِيقه لما سَار فانتهز فرخشاه الفرصة وَفتح بعسكر الشَّام الشقيف وأغار على مَا يجاوره.
وفيهَا: سير السُّلْطَان أَخَاهُ سيف الْإِسْلَام طغتكين إِلَى الْيمن وَبهَا حطَّان بن منقذ الْكِنَانِي وَعز الدّين عُثْمَان الزنجبيلي عادا إِلَى ولايتهما لوفاة نَائِب صَلَاح الدّين الَّذِي عزلهما، فتحصن حطَّان فِي قلعة فأنزله طغتكين بتلطف، وَأحسن صحبته، ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَأخذ مَاله، وَمن جملَته سَبْعُونَ غلافاً زردية مَمْلُوءَة ذَهَبا عينا، ثمَّ سجنه فِي قلعة، فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ.