للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وَكم حوى من جَوْهَر مثمن ... فَمَا فدا الْجَوْهَر هَذَا الْعرض)

وَالله أعلم.

وَصَارَ مَرضه يزْدَاد، وَكَانَ فِي أهل مَا زندان أَن أُنَاسًا يَتَقَرَّبُون إِلَيْهِ بِمَا يشتهيه فاشتهى عِنْده فرسا يرْعَى حول خيمة صَغِيرَة قد ضربت لَهُ فأهدى إِلَيْهِ فرس أصفر.

وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ ألف جشار من الْخَيل، وَصَارَ إِذا أهْدى إِلَيْهِ أحد شَيْئا وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال فِي الجزيرة يُطلق لَهُ شَيْئا، وَلم يكن مَعَه من يكْتب التواقيع فَيكْتب ذَلِك الْمهْدي توقيعه بِنَفسِهِ، وَيُعْطِي مثل السكين والمنديل عَلامَة بِإِطْلَاق الْبِلَاد وَالْأَمْوَال.

فَلَمَّا تولى ابْنه جلال الدّين أمضى ذَلِك كُله، ثمَّ مَاتَ السطان مُحَمَّد بالجزيرة على تِلْكَ الْحَالة فَغسله شمس الدّين مَحْمُود بن بَلَاغ الجاوش ومقرب الدّين مقدم الفراشين وكفن فِي قَمِيصه لعدم كفن وَدفن بالجزيرة سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة بعد أَن كَانَ بَابه مزدحم مُلُوك الأَرْض، وَكَانَت حَاشِيَته ملوكاً طستداره وركبداره وسلحداره وجنداره وَغَيرهم وَفِي أعلامهم عَلَامَات وظائفهم.

وَكَانَ سماطه مُعظما مفخماً، وَتفرد فِي الحشمة عَن الْمُلُوك بأَشْيَاء لَا يُشَارك فِيهَا، ثمَّ سَار جلال الدّين بعد موت أَبِيه السُّلْطَان مُحَمَّد من الجزيرة إِلَى خوارزم ثمَّ هرب من التتر وَلحق بغزنة وَجرى بَينه وَبَين التتر من الْقِتَال مَا تقدم ذكره، وَسَار إِلَيْهِ جنكيز خَان فهرب جلال الدّين من غزنة إِلَى الْهِنْد فَلحقه جنكيز خَان على مَاء السَّنَد وتصافا صَبِيحَة الْأَرْبَعَاء لثمان خلون من شَوَّال سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة، وَنصر جلال الدّين أَولا، ثمَّ كسر وَحَال بَينهمَا اللَّيْل، وَولى جلال الدّين مُنْهَزِمًا، وَأسر ابْنه وَهُوَ ابْن سبع سِنِين، وَقتل بَين يَدي جنكيزخان صبرا، وَلما عَاد جلال الدّين إِلَى حافة مَاء السَّنَد كسيراً رآى والدته وَأم ابْنه وَحرمه يصحن بِاللَّه عَلَيْك اقتلنا وخلصنا من الْأسر فَأمر بِهن فغرقن وَهَذِه من عجائب البلايا ونوادر الرزايا.

قلت:

(من ملك الدُّنْيَا ودانت لَهُ ... فالجهل كل الْجَهْل أَن يحسدا)

(بقد مَا ترفع أَصْحَابهَا ... تحطهم فَالرَّأْي قرب المدا)

(ويلي على المغري بعليائها ... سيضحك الْيَوْم ويبكي غَدا)

(تعطيه كالمشفق لَكِنَّهَا ... تبطش فِي الْأَخْذ كبطش العدا)

(مُبْتَدأ حُلْو لمن ذاقه ... وَلَكِن انْظُر خبر المبتدا)

(غدارة خوانة أَهلهَا ... مَا زهد الزهاد فِيهَا سدى)

وَالله أعلم.

ثمَّ أَن جلال الدّين وَعَسْكَره اقتحموا ذَلِك النَّهر الْعَظِيم فنجى مِنْهُم إِلَى ذَلِك الْبر نَحْو أَرْبَعَة آلَاف رجل حُفَاة عُرَاة، وَرمى الموج جلال الدّين مَعَ ثَلَاثَة من خواصه إِلَى مَوضِع

<<  <  ج: ص:  >  >>