وفيهَا سَار الْكَامِل من مصر واسترجع حران والرها من يَد كيقباذ، وَأرْسل نواب كيقباذ مقيدين إِلَى مصر، فاستقبح ذَلِك مِنْهُ ثمَّ قدم دمشق وَأقَام عِنْد أَخِيه الْأَشْرَف حَتَّى خرجت السّنة.
وفيهَا: توفّي شرف الدّين مُحَمَّد بن نصر بن عنين الزرعي شَاعِر مفلق، هجاء لَهُ مقراض الْأَعْرَاض مَا سلم بِدِمَشْق مِنْهُ كَبِير، ونفاه صَلَاح الدّين إِلَى الْيمن فمدح صَاحبهَا طغتكين بن أَيُّوب فَحصل لَهُ مِنْهُ أَمْوَال إتجر بهَا إِلَى مصر وصاحبها الْعَزِيز عُثْمَان بن صَلَاح الدّين وَأخذت بهَا زَكَاة تِجَارَته فَقَالَ:
(مَا كل من يُسمى بالعزيز لَهَا ... أَهلا وَلَا كل برق سحبه غدق)
(بَين العزيزين بون فِي فعالهما ... هذاك يعْطى وَهَذَا يَأْخُذ الصَّدَقَة)
قلت: وَطَاف ابْن عنين بِلَاد الشَّام وَالْعراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان وغزنة وخوارزم وَمَا وَرَاء النَّهر واليمن والهند.
وَكتب من الْهِنْد إِلَى أَخِيه بِدِمَشْق هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، وَالثَّانِي مِنْهُمَا لأبي الْعَلَاء المعري:
(سامحت كتبك فِي القطيعة عَالما ... أَن الصَّحِيفَة لم تَجِد من حَامِل)
(وعذرت طيفك فِي الْجفَاء لِأَنَّهُ ... يسري فَيُصْبِح دُوننَا بمراحل)
وَمَات صَلَاح الدّين وَملك الْعَادِل دمشق فِي عيبته فَقدم دمشق وَكتب إِلَى الْعَادِل يَسْتَأْذِنهُ فِي دُخُولهَا:
(مَاذَا على طيف الْأَحِبَّة لَو سرى ... وَعَلَيْهِم لَو سامحوني بالكرى)
وَوصف منتزهات دمشق ثمَّ قَالَ:
(فارقتها لَا عَن رضى وهجرتها ... لَا عَن قلى ورحلت لَا متحيرا)
(أسعى لرزق فِي الْبِلَاد مشتت ... وَمن الْعَجَائِب أَن يكون مقتراً)
(وأصون وَجه مدائحي متقنعاً ... وأكف ذيل مطامعي متستراً)
(أَشْكُو إِلَيْك نوى تَمَادى عمرها ... حَتَّى حسبت الْيَوْم مِنْهَا أشهراً)
(لَا عيشتي تصفو وَلَا رسم الْهوى ... يعْفُو وَلَا جفني يصافحه الْكرَى)
(وَمن الْعَجَائِب أَن يقتل بظلكم ... كل الورى ونبذت وحدي بالعرا)
وَولي الوزارة بِدِمَشْق فِي آخر دولة الْمُعظم، وَمُدَّة ولَايَة ابْنه النَّاصِر وَلما ملكهَا الْأَشْرَف انْفَصل وَلم يُبَاشر بعْدهَا خدمَة، وَدفن بِمَسْجِد أنشأه بِأَرْض المزة بِكَسْر الْمِيم، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا عَاد الْكَامِل إِلَى مصر.
وفيهَا: فِي ربيع الأول توفّي الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بحلب وعمره ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وشهور وَملك بعده ابْنه النَّاصِر يُوسُف، وعمره نَحْو سبع سِنِين، وَدبره شمس الدّين لُؤْلُؤ وَعز الدّين عمر بن مجلى وجمال الدولة اقبال الخاتوني والمرجع إِلَى أم الْعَزِيز ضيفة خاتون بنت الْعَادِل.