صَاحب الصبيبة السعيد بن الْعَزِيز بن الْعَادِل بن أَيُّوب والتقوا فِي الْغَوْر يَوْم الْجُمُعَة فانهزمت التتر هزيمَة قبيحة وأخذتهم سيوف الْمُسلمين وَقتل مقدمهم كتبغا واستؤسر ابْنه، وَتعلق من سلم مِنْهُم برؤوس الْجبَال وتبعهم الْمُسلمُونَ فأفنوهم وهرب من سلم إِلَى الشرق، وجرد قطز بيبرس البندقداري فِي أَثَرهم فَتَبِعهُمْ إِلَى أَطْرَاف الْبِلَاد.
وَكَانَ أَيْضا صُحْبَة التتر الْأَشْرَف مُوسَى صَاحب حمص ففارقهم وأمنه قطز وَأقرهُ على حمص ومضافاتها.
وَأما صَاحب الصبيبة فأحضر أَسِيرًا بَين يَدي قطز فَضربت عُنُقه لما اعْتمد من السفك وَالْفِسْق، وَأحسن قطز إِلَى الْمَنْصُور صَاحب حماه، وزاده على حماه وبارين المعرة وَكَانَت بيد الحلبيين من سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَأخذ سلمية مِنْهُ وَأَعْطَاهَا أَمِير الْعَرَب.
وَأتم المظفر قطز السّير بالعساكر وصحبته الْمَنْصُور صَاحب حماه إِلَى دمشق وتضاعف شكر الْعَالم لله تَعَالَى على هَذَا النَّصْر الْعَظِيم من بعد الْيَأْس من النُّصْرَة على التتر لاستيلائهم على مُعظم بِلَاد الْإِسْلَام وَلِأَنَّهُم مَا قصدُوا إقليماً إِلَّا فتحوه وَلَا عسكراً إِلَّا هزموه، وَيَوْم دُخُوله دمشق شنق جمَاعَة من المنتسبين إِلَى التتر مِنْهُم حُسَيْن الطبردار موقع الْملك النَّاصِر فِي أَيدي التتر، وَفِي هَذَا النَّصْر وقدوم قطز إِلَى الشَّام يَقُول بَعضهم:
(هلك الْكفْر فِي الشَّام جَمِيعًا ... واستجد الْإِسْلَام بعد دحوضه)
(بالمليك المظفر الْملك الأورع ... سيف الْإِسْلَام عِنْد نهوضه)
(ملك جَاءَنَا بعزم وحزم ... فاعتززنا بسمره وببيضه)
(أوجب الله شكر ذَاك علينا ... دَائِما مثل واجباب فروضه)
وَوصل الْمَنْصُور وَالْأَفْضَل إِلَى حماه وَقبض الْمَنْصُور على جمَاعَة بحماه كَانُوا مَعَ التتر وهنأه شيخ الشُّيُوخ شرف الدّين بذلك فَقَالَ:
(رعت العدا فضمنت تل عروشها ... ولقيتها فَأخذت تل جيوشها)
(فقت الْمُلُوك ببذل مَا تحويه إِذْ ... ختمت خزائنها على منقوشها)
(فطويت عَن مصر فسيح مراحل ... مَا بَين بركتها وَبَين عريشها)
(حَتَّى حفظت على الْعباد بلادها ... من رومها الْأَقْصَى إِلَى أحبوشها)
(فرشت حماه لوطء نعلك خدها ... فوطئت عين الشَّمْس من مفروشها)
(وَضربت سكتها الَّتِي أخلصتها ... عَمَّا يشوب النَّقْد من مغشوشها)
(وَكَذَا المعرة إِذْ ملكت قيادها ... دهشت سُرُورًا سَار فِي مدهوشها)
(طربت برجعتها إِلَيْك كَأَنَّمَا ... سكرت بخمرة حاسها أَو حيشها)
قلت: وَهَذَا الْبَيْت يُشِير بِهِ ناظمه إِلَى قَول الْأَمِير أبي الْفَتْح بن أبي حَصِينَة المعري:
(من خندريس حناكها أَو حاسها ... )
وَهُوَ من قصيدة هائلة مَشْهُورَة مدح بهَا ثَابت بن ثمال بن صَالح بن مرداس، أَولهَا: