للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المرات فَشكر الله سَعْيه، وَلما توفّي كتم مَمْلُوكه نَائِبه بدر الدّين تتليك الخزينة دَار مَوته وصيره بقلعة دمشق حَتَّى تهيأت تربته قرب جَامع دمشق فدفنه بهَا ورحل النَّائِب بالعساكر والمحفة مظْهرا أَن الظَّاهِر مَرِيض فِيهَا وسارا إِلَى مصر.

وَكَانَ الظَّاهِر قد حلف الْعَسْكَر لِابْنِهِ السعيد بركَة وَجعله ولي عَهده فوصل الخزينة دَار بالعسكر والخزائن إِلَى السعيد بقلعة الْجَبَل وَعند ذَلِك أظهر موت السُّلْطَان وَجلسَ الْملك السعيد للعزاء، وَاسْتقر فِي السلطنة، وَمُدَّة ملك الظَّاهِر نَحْو سبع عشرَة سنة وشهران وَعشرَة أَيَّام. وَكَانَ مهيباً شجاعاً عَاقِلا قبجاقي الْجِنْس أسمر أَزْرَق الْعَينَيْنِ جَهورِي الصَّوْت أحضر هُوَ ومملوك آخر بحماه ليشتريهما الْمَنْصُور فَلم يعجباه وأرسله إِلَى إيدكين البندقدار الصَّالِحِي وَهُوَ معتقل بقلعة حماه من جِهَة الْملك الصَّالح فَاشْتَرَاهُ ثمَّ أفرج الصَّالح عَن البندقدار وَبَقِي الظَّاهِر مَعَ أستاذه حَتَّى أَخذه مِنْهُ الْملك الصَّالح.

وَاسْتقر السعيد بركَة فِي ملك مصر وَالشَّام فِي أَوَائِل ربيع الأول مِنْهَا ونائبه بدر الدّين تتليك الخزينة دَار كَمَا كَانَ مَعَ وَالِده والأمور منتظمة فَلم تطل أَيَّام تتليك وَمَات عَن قريب قيل: حتف أَنفه، وَقيل: سم وتول النِّيَابَة شمس الدّين الفارقاني، ثمَّ أَرَادَ السعيد تَقْدِيم الأصاغر، وَقبض على سنقر الْأَشْقَر والبيش، ثمَّ أطلقهما عَن قريب ففسدت نيات الأكابر عَلَيْهِ.

قلت: وفيهَا توفّي شيخ الْإِسْلَام الْعَالم الرباني الزَّاهِد محيي الدّين يحيى بن شرف بن مري النواوي وَله خمس وَأَرْبَعُونَ سنة وَنصف، وَله سيرة مُفْردَة فِي علومه وتصانيفه وينه ويقينه وورعه وزهده وقناعته باليسير وتعبده وتهجده وخوفه من الله تَعَالَى ولي مشيخة دَار الحَدِيث بِدِمَشْق وَكَانَ لَا يتَنَاوَل من معلومها شَيْئا وقبره ظَاهر يزار بنوى.

قلت:

(لقِيت خيرا يَا نوى ... وحرست من ألم النَّوَى)

(فَلَقَد نَشأ بك زاهد ... فِي الْعلم أخْلص مَا نوى)

(وعَلى عداهُ فَضله ... فضل الْحُبُوب على النَّوَى)

وَالله أعلم.

ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة: فِيهَا سَار السعيد بركَة إِلَى الشَّام وَوصل دمشق بالعساكر وجرد الْعَسْكَر صُحْبَة الْأَمِير سيف الدّين قلاوون الصَّالِحِي وجرد صَاحب حماه فَشُنُّوا الإغارة على بِلَاد سيس، وغنموا وَقدمُوا دمشق وَلم يدخلوها فاستعطفهم السعيد فَلم يلووا عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا على خلعه وَأَتمُّوا السّير فَركب السعيد وسبقهم إِلَى مصر وَنزل بقلعة الْجَبَل وسارت العساكر فِي أَثَره وَخرجت السّنة وَالْأَمر كَذَلِك.

وفيهَا: توفّي عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباذ السلجوقي عِنْد منكوتمر ملك التتر بِمَدِينَة سراي، وَتقدم ذكره وَأَرَادَ منكوتمر أَن يُزَوّج ابْنه مسعوداً بِزَوْجَة ابْنه كيكاوس،

<<  <  ج: ص:  >  >>