وفيهَا: عَاد الْمَنْصُور صَاحب حماه من حلب إِلَى حماه بِأَمْر لاجين واستمرت العساكر بحلب حَتَّى خرجت السّنة.
وفيهَا: فِي ثامن وَعشْرين شَوَّال توفّي القَاضِي بحماه جمال الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن وَاصل الشَّافِعِي، ومولده سنة أَربع وسِتمِائَة، كَانَ مبرزاً فِي عُلُوم كَثِيرَة مثل الْمنطق والهندسة والأصولين والهيئة والتاريخ.
وَله مفرج الكروب فِي إِخْبَار بني أَيُّوب، وَله الأنبروزية فِي الْمنطق صنفها للأنبروز ملك الفرنج صَاحب صقلية لما أرْسلهُ إِلَيْهِ الْملك الظَّاهِر بيبرس وَاخْتصرَ الأغاني اختصارا حسنا وَله غير ذَلِك.
وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْمُؤلف شَرحه لعروض ابْن الْحَاجِب، وَكَانَ يعرض على القَاضِي مَا لم يحله من أشكال كتاب إقليدس ويستفيد مِنْهُ وَصحح عَلَيْهِ أَسمَاء من لَهُ تَرْجَمَة فِي كتاب الأغاني.
قَالَ الْمُؤلف رَحمَه الله: قَالَ القَاضِي جمال الدّين الْمَذْكُور ووالد الإمبراطور الَّذِي رَأَيْته اسْمه فردريك كَانَ مصافياً للْملك الْكَامِل، وَمَات سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة، وَملك صقلية وَغَيرهَا من الْبر الطَّوِيل بعده ابْنه كرا ثمَّ مَاتَ كرا وَملك أَخُوهُ منفريذا وكل من ملك مِنْهُم يُسمى إمبراطوراً وَمَعْنَاهُ بالفرنجية ملك الْأُمَرَاء قَالَ: وَلما وصلت إِلَيْهِ أَقمت عِنْده فِي مَدِينَة من الْبر الطَّوِيل الْمُتَّصِل بالأندلس من مَدَائِن أنبولية.
وَكَانَ يحفظ عشر مقالات من كتاب إقليدس وبالقرب من الْبَلَد الَّذِي كنت فِيهِ مَدِينَة لَو حارة كلهَا مُسلمُونَ من جَزِيرَة صقلية يعلن فِيهَا بشعار الْإِسْلَام وَالْأَذَان، وأكبر أَصْحَاب الإمبراطور منفريذا مُسلمُونَ ويعلن فِي مُعَسْكَره بِالْأَذَانِ وَالصَّلَاة وَبَين ذَلِك الْبَلَد وَبَين رُومِية خَمْسَة أَيَّام.
قَالَ: وَبعد تَوَجُّهِي من عِنْده اتّفق البابا خَليفَة الفرنج ورندافرنس على قِتَاله، وَكَانَ البابا قد حرمه لميل الإمبرطور إِلَى الْمُسلمين.
وَكَذَلِكَ كَانَ أَخُوهُ وَأَبوهُ محرمين لميلهم إِلَى الْمُسلمين، قَالَ: وَحكى لي أَن مرتبَة الإمبراطور كَانَت قبل فردريك لوالده وَلما مَاتَ كَانَ فردريك شَابًّا وطمع فِي الإمبراطورية جمَاعَة من مُلُوك الفرنج.
وَكَانَ فردريك شَابًّا مَاكِرًا وجنسه من الألمانية، فَاجْتمع بِكُل وَاحِد من الْمُلُوك الطامعين فِي الإمبراطورية بِانْفِرَادِهِ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَا أصلح لهَذِهِ الْمرتبَة فَإِذا اجْتَمَعنَا عِنْد البابا فَقل يَنْبَغِي أَن يتقلد الحَدِيث فِي هَذَا الْأَمر ابْن الإمبراطور المتوفي وَمن رَضِي بِهِ فَأَنا رَاض بِهِ فَإِن البابا إِذا رد الِاخْتِيَار إِلَيّ اخْتَرْتُك وقصدي أنتمي إِلَيْك فاعتقدوا صَدَقَة فِي ذَلِك فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْد البابا برومية قَالَ البابا للملوك: مَا تُرِيدُونَ وَمن هُوَ الأحق بِهَذِهِ الْمرتبَة؟ وَوضع تَاج الْملك بَين أَيْديهم فَكل مِنْهُم قَالَ: حكمت فردريك فِي ذَلِك فَإِنَّهُ ولد الإمبراطور فَقَامَ