(هم حسدوه لما لم ينالوا ... مناقبه فقد مكروا وشاطوا)
(وَكَانُوا عَن طرائفه كسَالَى ... وَلَكِن فِي أَذَاهُ لَهُم نشاط)
(وَحبس الدّرّ فِي الأصداف فَخر ... وَعند الشَّيْخ بالسجن اغتباط)
(بآل الْهَاشِمِي لَهُ اقْتِدَاء ... فقد ذاقوا الْمنون وَلم يواطوا)
(بَنو تَيْمِية كَانُوا فبانوا ... نُجُوم الْعلم أدْركهَا انهباط)
(وَلَكِن يَا ندامة حابسيه ... فَشك الشّرك كَانَ بِهِ يماط)
(وَيَا فَرح الْيَهُود بِمَا فَعلْتُمْ ... فَإِن الضِّدّ يُعجبهُ الخباط)
(ألم يَك فِيكُم رجل رشيد ... يرى سجن الإِمَام فيستشاط)
(إِمَام لَا ولَايَة كَانَ يَرْجُو ... وَلَا وقف عَلَيْهِ وَلَا رِبَاط)
(وَلَا جاراكم فِي كسب مَال ... وَلم يعْهَد لَهُ بكم اخْتِلَاط)
(فَفِيمَ سجنتموه وغظتموه ... أما لجزا أذيته اشْتِرَاط)
(وسجن الشَّيْخ لَا يرضاه مثلي ... فَفِيهِ لقدر مثلكُمْ انحطاط)
(أما وَالله لَوْلَا كتم سري ... وَخَوف الشَّرّ لانحل الرِّبَاط)
(وَكنت أَقُول مَا عِنْد وَلَكِن ... بِأَهْل الْعلم مَا حسن اشتطاط)
(فَمَا أحد إِلَى الْإِنْصَاف يَدْعُو ... وكل فِي هَوَاهُ لَهُ انخراط)
(سَيظْهر قصدكم يَا حابسيه ... وننبئكم إِذا نصب الصِّرَاط)
(فها هُوَ مَاتَ عَنْكُم وَاسْتَرَحْتُمْ ... فعاطوا مَا أردتم أَن أتعاطوا)
(وحلوا واعقدوا من غير رد ... عَلَيْكُم وانطوى ذَاك الْبسَاط)
وَكنت اجْتمعت بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى بِدِمَشْق سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة بمسجده بالقصاعين وبحثت بَين يَدَيْهِ فِي فقه وَتَفْسِير وَنَحْو فأعجبه كَلَامي وَقبل وَجْهي واني لأرجو بركَة ذَلِك، وَحكى لي عَن واقعته الْمَشْهُورَة فِي جبل كسروان وسهرت عِنْده لَيْلَة فَرَأَيْت من فتوته ومروءته ومحبته لأهل الْعلم وَلَا سِيمَا الغرباء مِنْهُم أمرا كثيرا، وَصليت خَلفه التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان فَرَأَيْت على قِرَاءَته خشوعا وَرَأَيْت على صلَاته رقة حَاشِيَة تَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب.
مولده رَحمَه الله ورحمنا بِهِ بحران يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة، هَاجر وَالِده بِهِ وبأخوته إِلَى الشَّام من جور التتر، وعنى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بِالْحَدِيثِ، وَنسخ جملَة وَتعلم الْخط والحساب فِي الْمكتب وَحفظ الْقُرْآن ثمَّ أقبل على الْفِقْه وَقَرَأَ أَيَّامًا فِي الْعَرَبيَّة على ابْن عبد القوى، ثمَّ فهمها وَأخذ يتَأَمَّل كتاب سِيبَوَيْهٍ حَتَّى فهمه، وبرع فِي النَّحْو وَأَقْبل على التَّفْسِير إقبالاً كلياً حَتَّى سبق فِيهِ، وَأحكم أصُول الْفِقْه كل هَذَا وَهُوَ ابْن بضع عشرَة سنة فانبهر الْفُضَلَاء من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وَقُوَّة حافظته وإدراكه، وَنَشَأ فِي تصون تَامّ وعفاف وَتعبد واقتصاد فِي الملبس والمأكل.
وَكَانَ يحضر الْمدَارِس والمحافل فِي صغره فيناظر ويفحم الْكِبَار وَيَأْتِي بِمَا يتحيرون