مِنْهُ، وَأفْتى وَله أقل من تسع عشرَة سنة، وَشرع فِي الْجمع والتأليف وَمَات وَالِده وَله إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وَبعد صيته فِي الْعَالم فطبق ذكره الْآفَاق وَأخذ فِي تَفْسِير الْكتاب الْعَزِيز أَيَّام الْجمع على كرْسِي من حفظه فَكَانَ يُورد الْمجْلس وَلَا يتلعثم، وَكَذَلِكَ الدَّرْس بتؤدة وَصَوت جَهورِي فصيح يَقُول فِي الْمجْلس أَزِيد من كراسين، وَيكْتب على الْفَتْوَى فِي الْحَال عدَّة أوصال بِخَط سريع فِي غَايَة التَّعْلِيق والإغلاق.
قَالَ الشَّيْخ الْعَلامَة كَمَال الدّين بن الزملكاني علم الشَّافِعِيَّة فِي خطّ كتبه فِي حق ابْن تَيْمِية كَانَ إِذا سُئِلَ عَن فن من الْعلم ظن الرَّائِي وَالسَّامِع أَنه لَا يغْرف غير ذَلِك الْفَنّ، وَحكم بِأَن لَا يعرفهُ أحد مثله، وَكَانَت الْفُقَهَاء من سَائِر الطوائف إِذا جالسوه استفادوا فِي مذاهبهم مِنْهُ أَشْيَاء، قَالَ: وَلَا يعرف أَنه نَاظر أحدا فَانْقَطع مَعَه وَلَا تكلم فِي علم من الْعُلُوم سَوَاء كَانَ عُلُوم الشَّرْع أَو غَيرهَا إِلَّا فاق فِيهِ أَهله، وَاجْتمعت فِيهِ شُرُوط الِاجْتِهَاد على وَجههَا، انْتهى كَلَامه.
وَكَانَت لَهُ خبْرَة تَامَّة بِالرِّجَالِ وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم وَمَعْرِفَة بفنون الحَدِيث وبالعالي والنازل وَالصَّحِيح والسقيم مَعَ حفظه لمتونه الَّذِي انْفَرد بِهِ وَهُوَ عَجِيب فِي استحضاره واستخراج الْحجَج مِنْهُ وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي عزوه إِلَى الْكتب السِّتَّة والمسند بِحَيْثُ تصدق عَلَيْهِ أَن يُقَال كل حَدِيث لَا يعرفهُ ابْن تَيْمِية فَلَيْسَ بِحَدِيث وَلَكِن الْإِحَاطَة لله غير أَنه يغترف فِيهِ من بَحر وَغَيره من الْأَئِمَّة يَغْتَرِفُونَ من السواقي.
وَأما التَّفْسِير فَسلم إِلَيْهِ، وَله فِي استحضار الْآيَات للإستدلال قُوَّة عَجِيبَة ولفرط إِمَامَته فِي التَّفْسِير وعظمة اطِّلَاعه بَين خطأ كثيرا من أَقْوَال الْمُفَسّرين، وَيكْتب فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من التَّفْسِير أَو من الْفِقْه أَو من الْأَصْلَيْنِ أَو من الرَّد على الفلاسفة والأوائل نَحوا من أَرْبَعَة كراريس، قَالَ وَمَا يبعد أَن تصانيفه إِلَى الْآن تبلغ خَمْسمِائَة مُجَلد.
وَله فِي غير مَسْأَلَة مُصَنف مُفْرد كَمَسْأَلَة التَّحْلِيل وَغَيرهَا، وَله مُصَنف فِي الرَّد على ابْن مطهر الْعَالم الْحلِيّ فِي ثَلَاث مجلدات كبار وتصنيف فِي الرَّد على تأسيس التَّقْدِيس للرازي فِي سبع مجلدات، وَكتاب فِي الرَّد على الْمنطق وَكتاب فِي الْمُوَافقَة بَين المقعول وَالْمَنْقُول فِي مجلدين وَقد جمع أَصْحَابه من فَتَاوِيهِ سِتّ مجلدات كبار.
وَله بَاعَ طَوِيل فِي معرفَة مَذَاهِب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ قل أَن يتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة إِلَّا وَيذكر فِيهَا الْمذَاهب الْأَرْبَعَة، وَقد خَالف الْأَرْبَعَة فِي مسَائِل مَعْرُوفَة، وصنف فِيهَا وَاحْتج لَهَا بِالْكتاب وَالسّنة.
وَله مُصَنف سَمَّاهُ السياسة الشَّرْعِيَّة فِي إصْلَاح الرَّاعِي والرعية، وَكتاب رفع الملام عَن الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وَبَقِي عدَّة سِنِين لَا يُفْتِي بِمذهب معِين بل بِمَا قَامَ الدَّلِيل عَلَيْهِ عِنْده، وَلَقَد نصر السّنة الْمَحْضَة والطريقة السلفية، وَاحْتج لَهَا ببراهين ومقدمات وَأُمُور لم يسْبق إِلَيْهَا، وأطبق عِبَارَات أحجم عَنْهَا الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وهابوا وجسر هُوَ عَلَيْهَا حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ خلق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute