المؤلف إستخلاص الأفكار الرئيسية في الدعوة القرآنية من جانبها الديني، وجانبها الخلقي.
فالإسلام في معناه الحرفي، هو الإيمان بالله والخضوع للإرادة الإلهية وهو بهذا المعنى لا يتعارض مع اليهودية ولا مع المسيحية، وإنه يدعو للإيمان بجميع الكتب المنزّلة وجميع الأنبياء إيمانا يضمّهم جميعا بتقديس واحد دون التمييز بين أي منهم.
والإسلام من هذه الناحية ليس دعوة جديدة، ولا حتى اصلاحا، وإنما مجرد عودة إلى الوحدة الأصلية. إنه الدين الأوحد الذي لم يأل الرسل عليهم السلام جهدا في الدعوة إليه منذ نوح وإبراهيم حتى موسى وعيسى عليهم السلام.
هذا فيما يتعلق بالحقيقة الدينية. ولا يختلف الأمر عن ذلك فيما يتعلق بالقانون الأخلاقي: فقد أقام جميع الرّسل عليهم السلام ميزان العدل، وكلهم أمروا بأن يفعلوا الخير ويحثوا على الخير. ولقد سن الصلاة والزكاة كل من إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب وموسى وعيسى عليهم السلام. كما كتب الصّوم على الأمم السابقة، وشرع إبراهيم عليه السلام فريضة الحج. ولقد أدان كل من هود وصالح عليهما السلام حب قومه للأموال والمتع الدّنيوية والعدوان والفساد. وقاوم لوط عليه السلام انحلال قومه وانغماسهم في الرذيلة، وقاوم شعيب عليه السلام الغش في التجارة. فجميع الناس مرجعهم إلى الله، وستعرض عليه أعمالهم في الدّنيا سواءا في ذلك الرّسل عليهم السلام أم الشّعوب التي أرسلوا إليها.
وفضلا عن إحياء السلوك القديم والتضامن الفكري الذي يجمع بين رسل الله جميعا عليهم السلام، فإن القرآن يذكر دائما في كلا المجالين العقيدي والعملي ما في نفس الإنسان من عنصر مشترك: هو الحكم الفعلي والسليم الذي يميز به الإنسان الخير والشر.
وهكذا نرى أن الدّعوة القرآنية دعوة عالمية في هدفها، وهي عالمية أيضا في أسلوب ووسائل الإقناع التي يتبعها القرآن لتحقيق هذا الهدف السامي.