ولكن القرآن لم يأت فقط لتذكير الناس بالعقل السليم، ولإعادة الخلق القويم بينهم. فليست رسالته الوحيدة هي تعزيز الرسل السابقين عليهم السلام والربط بين دعواتهم بسياج الوحدة والتصديق عليها، بعد أن وفق بين عدد من أحكامهم التي كانت في الظاهر متعارضة. وإنما اضطلع القرآن، كتاب الإسلام، بمهام أخرى جديدة.
أولا: أن يخفف عن الإنسانية بعض الشرائع القاسية التي كانت قد سنت بصفة مؤقتة كتكفير عن معاصي ارتكبت، وإعادة الأمور إلى نظامها الطبيعي الرحيم.
ثانيا: وبصفة خاصة إضافة تكملة ضرورية لكل ما سبق. ولقد اتضح من حصر بعض الأحكام في التوراة وفي القرآن أن كل مرحلة من مراحل الوحي الإلهي تعتبر - مع احتفاظها بما اكتسبته من المرحلة السابقة - تقدما ملموسا عليها. وساق المؤلف كثيرا من الأمثلة لهذه الخاصية التدريجية التقدمية، سواءا في الإنجيل بالنسبة للتوراة، أو في القرآن بالنسبة للكتابين السابقين عليه، ولا يعدو أن يكون هذا الحصر وهذه المقارنة إلا تعزيزا لكلمة الرسول صلّى الله عليه وسلم الخالدة «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
*** أما القسم الثالث والأخير من هذا الكتاب، فقد كرسه المؤلف لدراسة، طريقة القرآن في إثبات ربانية مصدره. ولقد تركز هذا التدليل، بصفة خاصة، على النقاط التالية:
١ - طابع الوحي المفاجئ وغير المنتظر. فمحمد صلّى الله عليه وسلم لم يدر بخلده أنه سيبعث رسولا، وبعد أن تلقى الوحي لم يكن يضمن استمراره.
٢ - الجهل الذي كان فيه محمد صلّى الله عليه وسلم وشعبه ليس فقط فيما يتعلق بالقصص الديني وإنما في كل ما يتعلق بالإيمان والتشريع والكتب المنزّلة والسلوك الأمثل عند الله.