للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ مَنْ عَلَّلَ بِالرَّأْيِ لِاسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فِي بَابِ الْعَتَاقِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ مِنْ بَابِ اللُّغَةِ لَا تُنَالُ إلَّا بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعَانِي اللُّغَةِ فَكَذَلِكَ جَوَازُ النِّكَاحِ بِأَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ، وَاسْتِعَارَةُ كَلِمَةِ النَّسَبِ لِلتَّحْرِيرِ.

وَكَذَا التَّعْلِيلُ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ فِي الطَّعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَاطِلٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ اسْمٌ لُغَوِيٌّ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ فَلَا يَكُونُ مَا يُعْقَلُ بِالْكِسْوَةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا لِيَصِحَّ تَعْدِيَتُهُ بِالتَّعْلِيلِ إلَى غَيْرِهِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْإِطْعَامِ، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْمَرْءُ طَاعِمًا ثُمَّ يَصِحَّ التَّمْلِيكُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، فَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَاسْمٌ لِمَا يُلْبَسُ لَا لِمَنَافِعِ اللِّبَاسِ فَبَطَلَ التَّعْلِيلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَلِكَ التَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ اسْمِ الزِّنَا لِلِّوَاطَةِ وَاسْمِ الْخَمْرِ لِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ وَاسْمِ السَّارِقِ لِلنَّبَّاشِ بَاطِلٌ لِمَا بَيَّنَّا

ــ

[كشف الأسرار]

الْمَائِعَاتُ قَارُورَةً أَخْذًا مِنْ الْقَرَارِ وَلَا يُسَمُّونَ الْكُوزَ وَالْحَوْضَ قَارُورَةً وَإِنْ قَرَّ فِيهِ الْمَاءُ، فَإِذَنْ كُلُّ مَا لَيْسَ عَلَى قِيَاسِ التَّصْرِيفِ الَّذِي عُرِفَ مِنْهُمْ بِالتَّوَقُّفِ لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِهِ وَوَضْعِهِ بِالْقِيَاسِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اللُّغَةَ وَضْعٌ كُلُّهَا تَوْقِيفٌ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا أَصْلًا (فَإِنْ قِيلَ) : سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْأَسَامِي لُغَةً بِالْقِيَاسِ، وَلَكِنَّا نُثْبِتُ الْأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ بِهِ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ لَمَّا وَضَعَتْ أَسْمَاءَ لِمَعَانِي مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ لِاخْتِصَاصِهَا بِأَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ جَازَ قِيَاسُ كُلِّ مَحَلٍّ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَتَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَكُلُّ اسْمٍ بُنِيَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَهُوَ اسْمٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ اسْمُ الْخَمْرِ لِلنَّبِيذِ شَرْعًا ثُمَّ يَحْرُمُ بِالْآيَةِ وَيَثْبُتُ اسْمُ الزِّنَا لِلِّوَاطَةِ شَرْعًا ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِالنَّصِّ، وَكَذَا النَّبَّاشُ.

(قُلْنَا) : الْأَسْمَاءُ الثَّابِتَةُ شَرْعًا تَكُونُ ثَابِتَةً بِطَرِيقٍ مَعْلُولٍ شَرْعًا كَالْأَسْمَاءِ الْمَوْضُوعَةِ لُغَةً تَكُونُ ثَابِتَةً بِطَرِيقٍ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ ثُمَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِعِلْمِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي طَرِيقِ مَعْرِفَتِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا الِاسْمُ يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ جَمِيعُ مَنْ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالرَّأْيِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْقَايِسُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الِاسْمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الدَّوَرَانَ إنَّمَا يُفِيدُ ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْغَلَبَةَ وَهَا هُنَا لَمْ يُوجَدْ الِاحْتِمَالُ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي أَصْلًا وَحُصُولُ الْعِلْمِ بِأَنَّ شَيْئًا مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا لِلْوَاضِعِ إلَى تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ احْتِمَالُ الْعِلِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ الدَّوَرَانُ مُفِيدًا ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي اللُّغَةِ ثَابِتَةٌ بِالتَّوْقِيفِ فِي التَّحْقِيقِ

قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْحُكْمِ شَرْعِيًّا قُلْنَا: إنَّ مَنْ عَلَّلَ أَيْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ بِالتَّعْلِيلِ جَوَازَ اسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لِلْعِتْقِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي الْعَتَاقِ لِحُصُولِ زَوَالِ الْمِلْكِ فِيهِ بِهِ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ فِي الْعِتْقِ مَوْجُودٌ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ أَيْضًا، أَوْ نَقُولُ: لَمَّا جَازَتْ اسْتِعَارَةُ أَلْفَاظِ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ جَازَتْ اسْتِعَارَةُ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لِلْعِتْقِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُزِيلَةً لِلْمِلْكِ كَانَ رَأْيُ التَّعْلِيلِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ بَابٌ أَيْ نَوْعٌ مِنْ اللُّغَةِ لَا بَيَانَ إلَّا بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعَانِي اللُّغَةِ فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ نَوْعَانِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ الْحَقِيقَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَالْمَجَازُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعَانِي اللُّغَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ طَرِيقَ الِاسْتِعَارَةِ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ طَرِيقِ التَّعْدِيَةِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ هَذَا النَّوْعِ بِالتَّعْلِيلِ الَّذِي هُوَ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ الشَّرْعِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الِاشْتِغَالُ فِيهِ بِالتَّعْلِيلِ بَاطِلًا وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ التَّعْلِيلُ لِجَوَازِ النِّكَاحِ بِأَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَاسْتِعَارَةُ كَلِمَةِ النَّسَبِ لِلتَّحْرِيرِ مِثْلُ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: هَذَا ابْنِي بَاطِلٌ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا: إنَّ طَرِيقَةَ التَّأَمُّلِ فِيمَا هُوَ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَهُمْ دُونَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يُفِيدُ الِاشْتِغَالُ بِهِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ التَّعْلِيلُ لِشَرْطِ التَّمْلِيكِ فِي الطَّعَامِ أَيْ التَّعْلِيلِ لِإِثْبَاتِ اشْتِرَاطِ التَّمْلِيكِ فِي طَعَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَنَحْوِهَا بَاطِلٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ إمَّا مَعْرِفَةُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِطْعَامِ أَوْ تَعْدِيَةُ حُكْمِ الْكِسْوَةِ إلَيْهِ، وَالْإِطْعَامُ اسْمٌ لُغَوِيٌّ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي مَعْرِفَةِ مَعْنَى الِاسْمِ لُغَةً، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ اسْمٌ لُغَوِيٌّ فَلَا يَكُونُ مَا يُعْقَلُ أَيْ يُفْهَمُ بِالْكِسْوَةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا لِيَصِحَّ تَعْدِيَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>