للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَا أَنَّ السَّلَمَ الْحَالَّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا مَقْدُورًا، وَالشَّرْعُ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ بِصِفَةٍ لِأَجَلٍ، وَتَفْسِيرُهُ نَقْلُ الشَّرْطِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَا يَخْلُفُهُ، وَهُوَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ لِلْكَسْبِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْقُدْرَةِ فَاسْتَقَامَ خَلَفًا عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ النَّصُّ نَاقِلًا لِلشَّرْطِ وَكَانَتْ رُخْصَةَ نَقْلٍ لَمْ يَسْتَقِمْ التَّعْلِيلُ لِلْإِسْقَاطِ وَالْإِبْطَالِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ مَحْضٌ

ــ

[كشف الأسرار]

الْإِحْضَارِ، وَالْتِزَامُهُ مُؤَجَّلًا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ دَفْعُ حَاجَةِ الْإِفْلَاسِ فَيَكُونُ كِلَا النَّوْعَيْنِ مَشْرُوعًا وَقُلْنَا: السَّلَمُ الْحَالُّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِجَوَازِ السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ وَتَعْلِيلِهِ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِهِ إلَى الْحَالِّ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ النَّصِّ فَكَانَ بَاطِلًا وَذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ مَالٌ مَمْلُوكٌ مُتَقَوِّمٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمَيْتَةَ أَوْ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ أَوْ بَاعَ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ الْمَجْحُودَ لَمْ يَجُزْ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ الْمِلْكِ فِي الثَّانِيَةِ وَعَدَمِ التَّقَوُّمِ فِي الثَّالِثَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ قَبْلَ الْعَقْدِ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا أَوْ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَبِالْعَقْدِ لَا يَصِيرُ مَوْجُودًا حِسًّا وَلَا مَمْلُوكًا؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْإِنْسَانُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ مَمْلُوكًا عَلَيْهِ لِلْغَيْرِ لَا لَهُ فَلَوْ مَلَكَهُ لَسَقَطَ عَنْهُ فَكَانَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ فِي السَّلَمِ عَدَمَ الْجَوَازِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ كَمَا جَوَّزَ بَيْعَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا لِلْحَاجَةِ جَوَّزَ هَذَا الْعَقْدَ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْمُفْلِسَ الْمُعْدَمَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى مُبَاشَرَتِهِ لِيَحْصُلَ الْبَدَلُ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ وَقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ إمَّا بِالِاكْتِسَابِ أَوْ بِإِدْرَاكِ غَلَّاتِهِ بِمَجِيءِ أَوَانِهِ فَجَوَّزَ لَهُ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ.

وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّ الْأَجَلَ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلْقُدْرَةِ أُقِيمَ مَقَامَهَا فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ كَمَا أُقِيمَتْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي صِحَّةِ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا فَصَارَ الْأَجَلُ شَرْطًا لَا لِعَيْنِهِ بَلْ خَلَفًا عَنْ الْقُدْرَةِ الَّتِي هِيَ الشَّرْطُ الْأَصْلِيُّ فِي الْبَيْعِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ رُخْصَةُ نَقْلٍ لِلشَّرْطِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَا يَصْلُحُ خَلَفًا عَنْهُ، وَهُوَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً إلَيْهِ فَإِنَّ تَيَسُّرَ الْأَدَاءِ بَعْدَ مُدَّةٍ بِالتَّكَسُّبِ أَوْ بِمَجِيءِ وَقْتِ الْحَصَادِ ظَاهِرٌ وَإِذَا كَانَ النَّصُّ أَيْ النَّصُّ الْمُرَخِّصُ نَاقِلًا أَيْ لِلشَّرْطِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْقُدْرَةُ الْحَقِيقِيَّةُ إلَى خَلَفِهِ، وَهُوَ الْقُدْرَةُ الِاعْتِبَارِيَّةُ بِإِقَامَةِ الْأَصْلِ مَقَامَهَا لَمْ يَسْتَقِمْ التَّعْلِيلُ لِلِاسْتِقَاطِ، اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ أَيْ يَجُزْ تَعْلِيلُهُ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ هَذَا الشَّرْطِ أَصْلًا وَالْإِبْطَالُ أَيْ إبْطَالُهُ أَوْ إبْطَالُ حُكْمِ النَّصِّ فَإِنَّهُ مَتَى سَقَطَ الْأَجَلُ الَّذِي هُوَ الْقُدْرَةُ الِاعْتِبَارِيَّةُ لَمْ يَكُنْ هَذَا تَعْدِيَةَ حُكْمِ النَّصِّ يَكُونُ إبْطَالًا لَهُ وَإِثْبَاتًا لِحُكْمٍ آخَرَ فِي الْفَرْعِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا نَقَلَ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى التَّيَمُّمِ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيلُهُ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الطَّهَارَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ النَّصِّ فَكَذَا هَذَا وَلَا يُقَالُ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ بِطَرِيقِ الْخَلَفِ عَنْ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ تُشْتَرَطُ سَابِقَةً عَلَى الْعَقْدِ، وَالْأَجَلُ يَثْبُتُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ حُكْمًا لَهُ فَكَيْفَ يَقُومُ مَقَامَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ عَقِيبَ الْعَقْدِ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ.

١ -

وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَقِيبَ الْعَقْدِ مِنْ سَاعَتِهِ يَنْقَلِبُ السَّلَمُ حَالًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُثْبِتَ الْقُدْرَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ فَيُرَاعَى وُجُودُهَا وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، وَوُجُوبُ التَّسْلِيمِ حُكْمُ الْعَقْدِ يَثْبُتُ بَعْدَهُ، وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا وَالْأَجَلُ الْمُقَدَّرُ عَلَى التَّسْلِيمِ يَثْبُتُ بِهِ فَاسْتَوْفَى الْعَقْدُ حُكْمَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقُدْرَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَمَّا عَدَمُ فَسَادِ الْعَقْدِ بِسُقُوطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>